Page 259 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 259

‫‪257‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫شخصيات‬

      ‫م ّي زيادة مدرسة ألسن في‬           ‫التدريس بجميع مدارس البلاد‬         ‫البديعية‪ ،‬لاهية تما ًما عن الثورة‬
      ‫حد ذاتها‪ ،‬فلم تعرف مصر‬             ‫عن طريق قرار وطني وحاسم‬          ‫الفكرية بالغرب‪ ،‬وكان الطهطاوي‬
  ‫والدول العربية كاتب ًة أتقنت إلى‬       ‫للزعيم سعد زغلول عندما كان‬       ‫ذاته من أول دعاة الأخذ بتلابيبها‬
  ‫جانب اللغة العربية تسع لغات‬
 ‫أخرى‪ ،‬كتبت ببعضها الكثير من‬                      ‫رئي ًسا لوزراء مصر‪.‬‬           ‫وتطويعها‪ ،‬لخدمة مشروعه‬
  ‫المقالات‪ ،‬كالفرنسية والإيطالية‬          ‫ورأت م ّي زيادة وطه حسين‬                             ‫النهضوي‪.‬‬
‫والإنجليزية‪ ،‬وترجمت عن الكثير‬            ‫وعباس محمود العقاد خل ًل في‬
   ‫منها أعما ًل أدبية‪ ،‬من أروع ما‬     ‫أسلوب كتابة النثر العربي المتمثل‬      ‫وشاركت م ّي زيادة‪ ،‬وأهم رواد‬
     ‫كتبت خلال عمرها القصير‪.‬‬                ‫آنذاك في كتابات المنفلوطي‪،‬‬     ‫صالونها الفكري والأدبي‪ ،‬الإمام‬
 ‫بدأت م ّي الكتابة في سن مبكرة‪،‬‬           ‫بل وفي شعر الرافعي ونثره‪،‬‬
   ‫قبل أن تغادر لبنان إلى مصر‪.‬‬             ‫فكانت الحرب المستعرة بين‬           ‫في ضرورة التسلح بأرقى ما‬
    ‫فأتمت ديوا ًنا شعر ًّيا بعنوان‬        ‫أنصار التقليد ودعاة التجديد‪،‬‬        ‫وصل إليه الغرب‪ ،‬وما ح ّصله‬
‫‪ Fleurs de Rêve‬بتوقيع إيزيس‬              ‫التي كانت الغلبة فيها لأنصار‬       ‫من خبرات ومعارف جديدة ك ًّما‬
      ‫كوبيا‪ .‬وقد صدرت الطبعة‬          ‫الحداثة‪ ،‬فصاغوا مقومات الحداثة‬      ‫وكي ًّفا عما كانت تعرفه العربية في‬
   ‫الوحيدة لهذا الكتاب في مصر‬            ‫ونشروها عن طريق المئات من‬         ‫القرن التاسع عشر‪ .‬وفطن رواد‬
    ‫عام ‪ ،1911‬قبل أن يترجم إلى‬        ‫المقالات والدراسات‪ ،‬ليصبحوا من‬        ‫صالون م ّي من أدباء ومفكرين‬
    ‫العربية بعنوان «أزاهير حلم»‬                                             ‫إلى مشكلتين مثلتا عائ ًقا وخط ًرا‬
     ‫(‪ ،)1911‬وكان أول عمل يتم‬                         ‫روادها الأوائل‪.‬‬       ‫على اللغة العربية الفصحى التي‬
 ‫مناقشته في الصالون‪ .‬وترجمت‬              ‫ولا نبالغ إذ نزعم بأن العربية‬      ‫آمنوا بها‪ ،‬وعملوا على تجديدها‬
                                          ‫الحديثة‪ ،‬التي نقرأ ونكتب بها‬
       ‫م ّي رواي ًة للكاتب الألماني‬      ‫اليوم‪ ،‬ما هي إلا ثمرة من ثمار‬                      ‫نظر ًّيا وعمليًّا‪.‬‬
    ‫فريدريش ماكسمولر بعنوان‬              ‫كتابات م ّي زيادة ورواد الأدب‬         ‫أما عن الاشكالية الأولى فقد‬
 ‫‪ ،Deutsche Liebe‬كما ترجمت‬              ‫العربي الحديث مثل أحمد لطفي‬           ‫تمثلت في إمكانية تهديد اللغة‬
                                                                          ‫العامية الدارجة للفصحى‪ ،‬لدرجة‬
       ‫«الحب في العذاب» للكاتب‬              ‫السيد وطه حسين وعباس‬            ‫تهميشها‪ .‬أما عن الثانية‪ ،‬والتي‬
        ‫الإنجليزي كونان دويل‪.‬‬                          ‫محمود العقاد‪.‬‬           ‫لا زلنا نعاني منها إلى اليوم‪،‬‬
     ‫يظهر الاهتمام بالترجمة في‬                                             ‫فهي ظاهرة المصطلحات الدخيلة‬
  ‫كتابات الكثير من رواد صالون‬         ‫(‪ )5‬الترجمة في صالون م ّي‬            ‫واستعارتها‪ ،‬فيطعم اللغة العلمية‬
     ‫م ّي التي أقامت جسو ًرا بين‬                                               ‫العربية بشوائب وتشوهات‪،‬‬
      ‫الحضارة الغربية والثقافة‬               ‫اهتم إمام النهضة العربية‬        ‫بحجة عدم قدرة اللغة الأم على‬
    ‫العربية‪ .‬وترجم أستاذ الجيل‬         ‫الحديثة‪ ،‬وأول إمام لبعثة محمد‬          ‫صياغة المفاهيم والمصطلحات‬
   ‫أحمد لطفي السيد إلى العربية‬         ‫عليّ إلى فرنسا‪ ،‬بقضية الترجمة‬       ‫العلمية‪ .‬وكان أحمد لطفي السيد‬
    ‫أعمال أرسطو‪ ،‬أهم فيلسوف‬            ‫وأهميتها القصوى في نقل علوم‬             ‫وطه حسين وعباس محمود‬
    ‫في التاريخ‪ ،‬وكانت موضو ًعا‬         ‫الغرب المختلفة إلى اللغة العربية‪،‬‬   ‫العقاد من كبار مؤسسي المجمع‬
     ‫بلا شك للكثير من جلسات‬            ‫وكان من أهم منجزاته المتعددة‪،‬‬          ‫اللغوي‪ ،‬الذي لولاه لما نجحت‬
  ‫الصالون‪ ،‬حيث إنه كان قد قام‬           ‫تأسيس مدرسة الألسن والتي‬          ‫اللغة العربية في الإفلات من براثن‬
‫بتدريسها بالجامعة الوليدة‪ ،‬التي‬         ‫قام بالتدريس فيها والإشراف‬
     ‫د ّرس بها وكان رئي ًسا لها‪.‬‬                                                             ‫الاشكاليتين‪.‬‬
‫وكانت الترجمة أي ًضا راف ًدا ها ًّما‬        ‫عليها منذ عودته إلى أرض‬            ‫وكاد الاستعمار أن ينجح في‬
    ‫لفكر عميد الأدب العربي طه‬            ‫الوطن‪ .‬وكانت الترجمة شغ ًل‬       ‫مصر كما نجح في دول أخرى من‬
    ‫حسين‪ ،‬أول من قدم مدرسة‬                                                   ‫فرض لغته على مناهج التعليم‪،‬‬
                                           ‫شاغ ًل احتل مكان الصدارة‬            ‫لولا التدخل الحاسم لكل من‬
                                         ‫في الكثير من جلسات صالون‬           ‫أحمد لطفي السيد وطه حسين‪،‬‬
                                                                          ‫ونجاحهما في فرض العربية كلغة‬
                                           ‫م ّي‪ .‬ولا نبالغ إن أطلقنا على‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264