Page 226 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 226

‫العـدد ‪26‬‬                                                                        ‫‪224‬‬

                                 ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬                                                               ‫د‪.‬أبو اليزيد‬
                                                                                                           ‫الشرقاوي‬
 ‫حقيقته عابث‪ ،‬ولكن الشعراء‬        ‫تمثل تجربة رفعت سلام‬          ‫المجانية مدخلً لعالم «رفعت سلَّ م» الشعري‬
  ‫يقدمونه في صورة النموذج‬
  ‫والمثال‪ ،‬وفي العصر الحديث‬      ‫الشعرية عالمًا شعر ًّيا يستحق‬
‫تم استغلال الشعر في الصراع‬            ‫التأمل والدراسة‪ ،‬لما فيه‬

     ‫السياسي ووظفه الحكام‬          ‫من صدق وإخلاص للشكل‬
  ‫لنشر مبادئهم وقيمهم تحت‬          ‫الشعري الذي اختاره‪ ،‬وهو‬
                                   ‫قصيدة النثر‪ .‬ومن المؤسف‬
    ‫شعارات براقة ومسميات‬            ‫أن هذا الشكل الشعري لم‬
 ‫خادعة‪ ،‬وهنا يحاول الشعراء‬
                                      ‫يجد نقاده المخلصين له‪،‬‬
   ‫تخليص الشعر ليصبح هو‬           ‫فبرغم كثرة المكتوب عن هذا‬
   ‫(الغاية) الهدف‪ ،‬فهذا قريب‬       ‫الشكل الشعري إلا أن غالب‬
   ‫من مفهوم الفن للفن‪ ،‬لكنه‬      ‫الدراسات النقدية عنه تحاكمه‬
   ‫ليس هو‪ ،‬إذ يتحول الشعر‬           ‫بمعايير نقدية مستمدة من‬
  ‫إلى غاية وهدف‪ ،‬وهذا معنى‬        ‫جماليات الشكل التقليدي‪ ،‬أو‬

                   ‫المجانية‪.‬‬           ‫جماليات شعر التفعيلة‪.‬‬
   ‫وعندما يتخلص الشعر من‬           ‫لذلك ستحاول هذه الدراسة‬
    ‫أي توظيف أيديولوجي أو‬        ‫تقديم مدخل نقدي مستمد من‬
   ‫ديني أو اجتماعي‪ ..‬إلخ‪ ،‬ما‬
 ‫الذي نجده؟ وما الذي يترتب‬             ‫جماليات قصيدة النثر‪.‬‬
  ‫على ذلك؟ وهل هو في صالح‬           ‫هذا يدفعنا إلى الحديث عن‬
   ‫«الشعرية العربية»؟ وكيف‬         ‫أهم (المفاهيم) التي تؤسس‬
  ‫يتعامل معه المتلقي العادي؟‬
    ‫هذه الأسئلة –وغيرها‪ -‬لم‬           ‫«قصيدة النثر» وهي من‬
 ‫يتوقف عندها النقاد بالدرس‬         ‫البساطة بمكان‪ ،‬لأنها ثلاثة‬
 ‫الكافي لبيان جماليات قصيدة‬
    ‫النثر‪ ،‬وما يترتب على هذه‬          ‫مفاهيم‪ ،‬وهي (المجانية‪-‬‬
 ‫الجماليات من ضرورة وجود‬           ‫التوهج‪ -‬الكثافة) وكل منها‬
 ‫مدونة نقدية خاصة بها‪ .‬ففي‬
 ‫اللحظة التي يفك فيها الشعر‬          ‫لا يحتاج إلى شرح عميق‪،‬‬
    ‫ارتباطه بأي توظيف غير‬          ‫فالمجانية تعني أن الشعر لا‬
‫جمالي يحصل القارئ على نص‬            ‫يتم توظيفه لخدمة أغراض‬
   ‫لا يندرج تحت الموضوعات‬
                                      ‫سياسية أو اجتماعية أو‬
     ‫الشعرية المتعارف عليها‪،‬‬           ‫دينية‪ ..‬إلخ‪ ،‬فكل تاريخ‬
  ‫وسيمثل هذا تحد ًيا للقارئ‪.‬‬          ‫الأدب عبارة عن توظيف‬
                                   ‫الشعر لخدمة جهات أخرى‪،‬‬
          ‫إن الارتباط القديم‬           ‫فيكون الشعر (وسيلة)‬
    ‫بالموضوعات الشعرية (أو‬             ‫لتحقيق (غاية)‪ ،‬وهكذا‬
     ‫الأغراض) يشبه عق ًدا تم‬       ‫استغله الجاهليون لترسيخ‬
   ‫إبرامه بين الشاعر والقراء‪.‬‬       ‫مكانتهم ومحاربة أعدائهم‬
   ‫فنحن القراء إذا قرأنا ن ًّصا‬    ‫والدعاية لأنفسهم‪ ،‬واستغله‬
 ‫في (مدح الخليفة) ندخله وفي‬       ‫خلفاء بني أمية والعباسيون‬
                                     ‫لأغراض دعائية سياسية‬
                                    ‫ومحاربة الخصوم‪ ،‬ونشر‬
                                 ‫صور مثالية عن خليفة هو في‬
   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231