Page 228 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 228

‫العـدد ‪26‬‬                                ‫‪226‬‬

                                 ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬                           ‫بيني وبيني جدا ٌر ضباب‪.‬‬
                                                                                      ‫لا نلتقي‪.‬‬
 ‫يخلو من أن يكون متعل ًقا منه‬     ‫هذه الأفاعيل تشبه من زاوية‬
  ‫بسبب‪ ،‬وضار ًبا فيه بسهم‪،‬‬            ‫ما نفعله نحن بنصوص‬               ‫كل منا يدير ظهره للاّخر‪،‬‬
  ‫حلال أو حرام‪ .‬فإذا علم أنه‬                                                  ‫يمضي بلا رجوع‬
                                  ‫الشعر العمودي الطويلة مثل‬
 ‫قد أستوثق من الإصغاء إليه‪،‬‬         ‫المعلقات‪ ،‬حين نعيد تقطيع‬         ‫وهكذا يمكن الاسترسال مع‬
 ‫والاستمتاع له‪ ،‬عقب بإيجاب‬           ‫المعلقة الواحدة إلى أجزاء‪،‬‬      ‫كامل النص الذي يصل عدد‬
                                     ‫ينتمي أحدها إلى الأطلال‬
    ‫الحقوق فرحل في شعره‪،‬‬                                                    ‫أبياته إلى (‪ )31‬بيتًا‪.‬‬
‫وشكا النصب والسهر وسرى‬            ‫والثاني إلى الغزل والثالث إلى‬      ‫وفي المقابل يمكن للقارئ أن‬
                                   ‫الوصف والرابع إلى الفخر‪..‬‬       ‫يأخذ كل مقطع نثري باعتباره‬
   ‫الليل وحر الهجير وإنضاء‬        ‫وهكذا‪ ،‬وفي ذات الوقت يمكن‬          ‫قصيدة مكتملة‪ ،‬وهذا مقطع‬
 ‫الراحلة والبعير‪ .‬فإذا علم أنه‬      ‫ان نتناول المعلقة باعتبارها‬
                                    ‫خطا ًبا شعر ًّيا مكتم ًل‪ ،‬لكن‬         ‫اخترته لصغر حجمه‪:‬‬
   ‫قد أوجب على صاحبه حق‬          ‫الفارق ينبع من إقرار الجميع‬            ‫تشبه أمي‪ .‬ف َتتَّ ِسع لي‪ .‬لا‬
 ‫الرجاء وذمامة التأمل‪ ،‬وقرر‬        ‫‪-‬شعراء وقراء‪ -‬بأن النص‬             ‫مساءل َة ولا ملام‪ .‬شاسع ٌة‪،‬‬
                                    ‫العمودي مكون من أجزاء‪،‬‬
   ‫عنده ما ناله من المكاره في‬                                             ‫دافئة‪ُ ،‬تق ّد ُم النعا َس لي‬
   ‫المسير‪ ،‬بدأ في المديح‪ ،‬فبعثه‬       ‫جمعها الشاعر هكذا عن‬              ‫والشاي والسكينة‪ .‬تقدم‬
    ‫على المكافأة وهزه للسماح‬         ‫قصد‪ ،‬حاول ابن قتيبة في‬             ‫لي الهروب الجميل لحظة‬
‫وفضله على الأشباه وصغر في‬          ‫بيانه الشهير أن يبرر جمع‬           ‫الانحدار‪ .‬تعرفها خطاي في‬
                                  ‫هذه الأجزاء فقال‪« :‬وسمعت‬            ‫الظلمات‪ ،‬فتمضي بي إليها‬
             ‫قدره الجزيل»‪.‬‬           ‫بعض أهل الأدب يذكر أن‬
‫وسيلاحظ القارئ اعتراف ابن‬        ‫مقصد القصيدة إنما ابتدأ فيها‬                    ‫دون استئذان‪.‬‬
                                   ‫بذكر الديار والدمن والآثار‪،‬‬                       ‫لا تضيق‪.‬‬
   ‫قتيبة بأن النص مكون من‬          ‫فبكى وشكا‪ ،‬وخاطب الربع‬
   ‫أجزاء جمعها الشاعر هكذا‬       ‫واستوقف الرفيق‪ ،‬ليجعل ذلك‬                  ‫واح ٌة للتائ ِه الغريق‪.‬‬
    ‫لعلة في نفسه‪ ،‬بينما الأمر‬        ‫سببًا لذكر أهلها الظاعنين‬          ‫بهذا الإجراء نحصل على‬
   ‫مختلف في نصوص رفعت‬              ‫عنها‪ ،‬إذ كان نازلة العمد في‬         ‫نصوص ممكنة تتوالد من‬
                                 ‫الحلول والظعن على خلاف ما‬              ‫نفس القصيدة‪ ،‬تبلغ هذه‬
     ‫سلام‪ ،‬فهذه «النصوص‬          ‫عليه نازلة المدر‪ ،‬لانتقالهم عن‬     ‫النصوص (‪ )12‬ن ًّصا على أقل‬
   ‫الممكنة» لا يمكن الزعم بأن‬     ‫ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ‪،‬‬        ‫تقدير‪ ،‬أحدها النص كام ًل‪،‬‬
  ‫لها استقلالها النسبي داخل‬       ‫وتتبعهم مساقط الغيث حيث‬          ‫والثاني الجزء الأغلظ‪ ،‬والباقي‬
                                  ‫كان‪ .‬ثم وصل ذلك بالنسيب‬          ‫هو النصوص العشرة الناتجة‬
     ‫قصيدته‪ ،‬ولذلك نقول إن‬       ‫فشكا شدة الوجد وألم الفراق‬             ‫عن الفقرات العشرة ذات‬
  ‫هذا تكنيك مقصود‪ ،‬لجأ إليه‬      ‫وفرط الصبابة والشوق ليميل‬         ‫الشكل الكتابي المغاير‪ .‬ويمكن‬
   ‫الشاعر ليفتح قصيدته على‬         ‫نحوه القلوب‪ ،‬ويصرف إليه‬          ‫كذلك أن نضع المقطع النثري‬
 ‫وجوه من التأويل لا متناهية‪،‬‬     ‫الوجوه‪ ،‬وليستدعي به إصغاء‬         ‫مع المقطع التفعيلي باعتبارهما‬
                                   ‫الأسماع إليه‪ ،‬لأن التشبيب‬        ‫قرا ًرا وجوا ًبا ويشكلان ن ًّصا‬
   ‫بعد أن فقد الشعر ارتباطه‬           ‫قريب من النفوس‪ ،‬لائط‬         ‫مكتم ًل‪ ،‬وبذلك تزيد النصوص‬
 ‫بالموضوعات الكبرى‪ ،‬وحاول‬          ‫بالقلوب‪ ،‬لما قد جعل الله في‬     ‫الممكنة عشرة نصوص أخرى‪،‬‬
                                 ‫تركيب العباد من محبة الغزل‪،‬‬          ‫ويمكن للقارئ الاسترسال‬
   ‫أن يؤسس وجوده مستق ًّل‬        ‫وألف النساء‪ ،‬فليس يكاد أحد‬        ‫هكذا ليولّد نصو ًصا كامنة في‬
   ‫عن هذه التصورات الذهنية‬                                         ‫ذات النص العام المعنون باسم‬
   ‫الجاهزة التي سيطرت على‬
    ‫بناء الشعر القديم وتلقيه‪.‬‬                                                        ‫«سراب»‪.‬‬
 ‫لذلك تحتاج قصيدة النثر إلى‬
‫قارئها‪ ،‬فليس كل قارئ للشعر‬
‫قاد ًرا على قراءة قصيدة النثر‪،‬‬
  ‫فهي تحتاج إلى قارئ مثقف‬
    ‫يعرف كيف يكتشف عالمه‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233