Page 232 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 232

‫العـدد ‪26‬‬                             ‫‪230‬‬

                                ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬                          ‫محمود طه‪ ،‬وحفظت‬
                                                                 ‫قصائدهم وتفاعلت معها‪،‬‬
   ‫حاولت أن أركب الموجة‪،‬‬          ‫وكان يشهد انقسا ًما حا ًّدا‬
    ‫وشرعت فى كتابة قصة‬          ‫فى الوعى‪ ،‬على خلفية أحداث‬           ‫حتى صارت جز ًءا من‬
‫تتوافر فيها سمات الحداثة‪،‬‬                                        ‫حياتي اليومية‪ ،‬أنا وكثير‬
   ‫وعلى رأسها خلق أجواء‬             ‫حرب الخليج‪ ،‬فالشارع‬          ‫من أبناء جيلي‪ ،‬نستدعيها‬
    ‫حلمية سريالية يتيه في‬            ‫كان منقس ًما بين تأييد‬      ‫في المناسبات‪ ،‬ونرددها فى‬
 ‫فهمها القارئ‪ ،‬ويجتهد في‬            ‫التدخل الأمريكي وشن‬
‫بناء قصة أخرى بوحى من‬               ‫الحرب على العراق الذى‬          ‫المنتديات‪ ،‬ونض ّمنها في‬
‫قصتي التي يقتصر دورها‬              ‫احتل الكويت ذات صباح‬          ‫رسائلنا الغرامية التي كنا‬
‫على التحفيز وإثارة المخيلة‪،‬‬         ‫مفاجئ‪ ،‬والبعض الآخر‬          ‫نكتبها لفتيات أحلامنا فى‬
    ‫وهى مسألة‪ ،‬من وجهة‬             ‫كان راف ًضا لهذا التدخل‪،‬‬
 ‫النظر الحداثية‪ ،‬من شأنها‬           ‫داعيًا إلى أن تحل البلاد‬      ‫سنوات المراهقة البريئة‪.‬‬
 ‫أن تخلق وعيًا جدي ًدا قاد ًرا‬   ‫العربية مشكلاتها بنفسها‪.‬‬        ‫بهذا الوعى الساذج تلقينا‬
 ‫على تجاوز التخلف العربي‬         ‫وبالتوازي مع هذا الخلاف‬
   ‫والعجز السياسي‪ ،‬وبناء‬        ‫السياسي‪ ،‬كان هناك خلاف‬            ‫صدمة الحداثة الشعرية‬
   ‫إنسان جديد يملك قراره‬             ‫نقدي وفني بين ذائقة‬            ‫في سنوات الجامعة في‬
    ‫بنفسه! لكنى‪ ،‬للمفارقة‬        ‫تربت على الوضوح وذائقة‬              ‫الثمانينيات‪ ،‬تلك التي‬
‫وبالرغم من جاذبية الفكرة‪،‬‬           ‫جديدة‪ ،‬تريد أن تفرض‬
  ‫عجز ُت عن الاستمرار في‬            ‫نفسها‪ ،‬تميل إلى الإبهام‬       ‫ص ّدرتها فصول وإبداع‪،‬‬
   ‫الكتابة لأكثر من نصف‬         ‫والغموض‪ ،‬والرغبة في خلق‬                ‫المجلتان اللتان كان‬
   ‫صفحة‪ ،‬ثم توقفت تما ًما‬           ‫علاقة جديدة مع العالم‪.‬‬
     ‫لأشهد ما ستؤول إليه‬        ‫وبين هذا وذاك سادت حالة‬         ‫يتأبطهما شباب هذا الجيل‬
  ‫الثورة الشعرية الجديدة‪.‬‬          ‫ضبابية‪ ،‬على المستويين‪،‬‬          ‫من الموهوبين والمهتمين‬
                                                                   ‫بالأدب‪ ،‬شع ًرا أو قص ًة‪.‬‬
   ‫صدمة الحداثة‬                        ‫السياسي والإبداعي‬           ‫فقد كانتا عنوا ًنا للثقافة‬
       ‫النقدية‬                        ‫عنوانها «عدم الفهم»‪.‬‬        ‫الجادة وللحداثة المبهرة‪،‬‬
                                  ‫إزاء هذه الظروف تولدت‬
      ‫إن الآفة الكبرى التي‬             ‫حالة من العجز‪ ،‬على‬      ‫التي كان يتطلع إليها صغار‬
  ‫أصيب بها المشهد الثقافي‬         ‫مستوى الفعل‪ ،‬ومستوى‬           ‫المبدعين من طلبة الجامعة‪،‬‬
  ‫في تلك الآونة هي فضيلة‬         ‫الكتابة والتلقي‪ .‬فأذكر أنى‬
                                 ‫كنت أكتب القصة القصيرة‬             ‫كما كان محمد عفيفي‬
        ‫«الإبهام» في جانب‬         ‫وفقا للتقاليد التي أرساها‬         ‫مطر هو الاسم الأكثر‬
    ‫المبدعين‪ ،‬و رذيلة «عدم‬             ‫يوسف إدريس‪ ،‬وقد‬          ‫حضو ًرا وترد ًدا بين هؤلاء‬
   ‫الفهم» في جانب المتلقين‪.‬‬        ‫حصلت على عدة جوائز‪،‬‬             ‫الشباب‪ .‬فقد لمست تلك‬
  ‫والملاحظ أن المسألة كانت‬          ‫لكنى فجأة شعرت أنى‬            ‫الروح الثائرة الواثقة في‬
    ‫قد تزامنت مع مهرجان‬          ‫أتبنى أساليب سردية بالية‬      ‫آن‪ ،‬التي كانت تمضى بقوة‬
‫المسرح التجريبي الذى كان‬            ‫وأني متأخر في الزمان‪،‬‬        ‫في اتجاه نوع من المحاكاة‬
   ‫يقام في القاهرة كل عام‪،‬‬           ‫وثمة قفزة حدثت بين‬          ‫الغرائبية الصادمة للوعى‬
  ‫ومع موجة أفلام يوسف‬               ‫ليلة وضحاها‪ ،‬جعلتني‬         ‫والمجافية للواقع والتاريخ‪.‬‬
 ‫شاهين ورأفت الميهي التي‬        ‫كالغريب الذى يعيش في بلد‬         ‫فقد شعرت أن ثمة فجوة‬
 ‫تعتمد على نوع من السرد‬           ‫أجنبي يتحدث لغة أخرى‬           ‫عميقة بين ما تربينا عليه‬
                                ‫لا يفهمها‪ .‬وفى هذا السياق‪،‬‬     ‫وبين ما نقرأه ونستمع إليه‬
                                                                  ‫في ذلك الوقت‪ .‬وبدا ذلك‬
                                                                  ‫واض ًحا بقوة في أسبوع‬
                                                               ‫شباب الجامعات‪ ،‬الذى أقيم‬
                                                               ‫عام ‪ ١٩٩٠‬بجامعة القاهرة‪،‬‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237