Page 227 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 227

‫‪225‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫الطبوغرافي وهي تنسلخ عن‬          ‫الأعمال الكاملة في صفحات‬         ‫ذهننا تصورات عما سيكون‬
 ‫الشعر العمودي؟ ألا يحق لها‬       ‫عشرة‪ ،‬وهي مكونة من ‪167‬‬             ‫في النص موجو ًدا من جهة‬
                                  ‫سط ًرا شعر ًّيا‪ .‬يعتمد الشاعر‬       ‫الشكل والمضمون‪ ،‬فلدينا‬
    ‫أن تؤسس وجودها بعي ًدا‬                                           ‫مخطط عقلي أو ذهني لهيئة‬
  ‫عن شكلانية الرسم الكتابي‬           ‫على تقنية أثيرة لديه وهي‬          ‫بناء القصيدة‪ ،‬فنتوقع أن‬
 ‫للشعر العمودي؟ وهي وجهة‬             ‫المزج بين مكونين في ذات‬         ‫يكون النص مبدو ًءا بمقدمة‬
                                      ‫القصيدة‪ ،‬المكون النثري‪،‬‬       ‫طللية أو ما في حكمها ومنها‬
         ‫نظر تستحق التأمل‪.‬‬         ‫والمكون الشعري‪ .‬أما المكون‬     ‫ينطلق الشاعر إلى الغزل أو ما‬
      ‫أما المكون الشعري فهو‬           ‫النثري فهو مقطع نثري‬          ‫في حكمه‪ ،‬ثم بضعة عبارات‬
   ‫سطور شعرية ذات تفعيلة‪،‬‬                                             ‫في الحكمة والموعظة‪ ،‬وقد‬
  ‫تتخلل المقاطع النثرية‪ .‬وهذا‬          ‫مكتوب بالشكل الكتابي‬         ‫يتطرق إلى وصف الرحلة أو‬
       ‫التوزيع مقصود‪ ،‬ومن‬           ‫المعتاد في كتابة النثر‪ ،‬وهو‬   ‫الصحراء‪ ،‬أو يذكر كلا ًما ينقل‬
‫حواراتي مع الشاعر فإنه كان‬        ‫الجزء الخاص بقصيدة النثر‪،‬‬         ‫إلى القارئ بضعة تصورات‬
‫حري ًصا حد الهوس على منظر‬           ‫وللشاعر وجهة نظر تتعلق‬
‫القصيدة على الصفحة‪ ،‬مراعيًا‬                                            ‫عن المصاعب التي لاقاها‬
  ‫كل التفاصيل من جهة حجم‬               ‫بالرسم الطبوغرافي على‬      ‫الشاعر في رحلته إلى ممدوحه‪،‬‬
‫الخط ونوعه والفراغ وعلامات‬       ‫الصفحة‪ ،‬إذ قال في حوار بيننا‬
   ‫الترقيم‪ .‬وكل ما تجده على‬      ‫ما ملخصه‪ :‬إنه إذا جاز لشعر‬          ‫ثم ينطلق إلى مدح الخليفة‪،‬‬
   ‫الصفحة من متن وهامش‪.‬‬                                              ‫ونعلم أنه سيمدحه بالعقل‬
    ‫تطرح تجربة رفعت سلام‬             ‫التفعيلة أن يستبقي شك ًل‬       ‫والذكاء والشجاعة والحكمة‬
  ‫بهذا الإجراء الشكلي الكتابي‬        ‫كتابيًّا مستم ًّدا من الشعر‬  ‫والكرم‪ ،‬ويتفنن في ذلك‪ ،‬ولكنه‬
  ‫محاولة تجريبية للتعامل مع‬      ‫العمودي ذي التوزيع الخاص‬
   ‫قصيدته‪ ،‬تتمثل في إمكانية‬      ‫على الصفحة في هيئة شطرين‪،‬‬             ‫لن يخرج عن هذا الإطار‬
   ‫توالد النصوص من النص‬          ‫و ُعذر الشعر الحر أنه استبقى‬     ‫الذهني المتفق عليه بين الشاعر‬
       ‫الواحد‪ ،‬فيمكن أن نقرأ‬
 ‫السطور التفعيلية وقد ميزها‬            ‫من العمودي «التفعيلة»‬         ‫والقارئ‪ ،‬وفي حال المخالفة‬
 ‫الشاعر بخط أغلظ من المقطع‬            ‫ولذلك أخذ شك ًل معد ًل‪،‬‬                   ‫نتساءل‪ :‬لماذا؟‬
   ‫النثري‪ ،‬وإذا استمر القارئ‬       ‫فما العذر لدى قصيدة النثر‬
 ‫سيجد أنه بإزاء نص مستقل‬            ‫في أن تحتفظ بهذا التوزيع‬       ‫هذا التصور الذهني للقصيدة‬
                                                                      ‫من جهة الشاعر والقارئ‬
                      ‫هكذا‪:‬‬                                           ‫تم إسقاطه تما ًما وبالكلية‬
         ‫لا مكان لي‪ ،‬لا وقت‬
    ‫أيها الوقت‪ :‬هل تتسع لي؟‬                                        ‫مع الشعر الحر‪ ،‬وبكل تأكيد‬
                                                                    ‫مع قصيدة النثر لم يعد هذا‬
          ‫خذاني بعي ًدا بعي ًدا‬
     ‫إلى حقول القمح والفول‬                                             ‫المنظور الذهني فاع ًل ولا‬
                                                                     ‫مطلو ًبا‪ ،‬بل إن وجوده ضد‬
         ‫إلى عصفورة الضوء‬                                            ‫طبيعة الشعر الحديثة التي‬
            ‫والضحك‪ ،‬بعي ًدا‬                                           ‫تنطلق من مفاهيم مختلفة‬
                                                                      ‫تما ًما عن مفاهيم الشعرية‬
‫ما الذي فعلته الأحلام القديمة‬
                       ‫بنا؟‬                                                ‫القديمة (التقليدية)‪.‬‬
                                                                    ‫سيتضح ذلك من خلال هذا‬
                     ‫خذاني‬
‫أر ٌض مستعارة‪ ،‬ووق ٌت مريب‬                                             ‫المثال كما تقدمه قصيدة‬
                                                                       ‫«سراب» من ديوان (إلى‬
                    ‫لا أحد‪.‬‬                                          ‫النهار الماضي)‪ ،‬ومن جهة‬
                                                                   ‫الشكل تقع القصيدة في طبعة‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232