Page 253 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 253

‫لم يكن "رفعت سَّلم" أول من وصف‪2 5 1‬‬                                  ‫كان منشغ ًل فع ًل بتعدد‬
                                                                   ‫الأصوات في القصيدة وإن‬
‫الشعر الحديث بـ"التركيب" ولا أول من‬                                ‫لم يسمها بهذا الاسم‪ ،‬ففي‬
    ‫قال بـ"تعدد الأصوات" في القصيدة‬
                                                                      ‫ديوانيه الأخيرين ‪-‬وقد‬
‫الحديثة‪ .‬بل تدلنا المراجعة التاريخية‬                                ‫صدرا بعد كتاب "حياتي‬
        ‫على أن "جبران خليل جبران" قد‬                                 ‫في الشعر"‪ -‬يقابلنا نص‬
                                                                  ‫بعنوان "أربع أصوات ليلية‬
 ‫حاول مبكًرا "وضع" صوتين متمايزين‬                                ‫للمدينة المتألمة"‪ ،‬يميز الشاعر‬
     ‫في قصيدة "غنائية"‪ ،‬هي قصيدته‬                                   ‫بين أربعة أصوات‪ ،‬الأول‬
                                                                    ‫"صوت"‪،‬والثاني "صوت‬
   ‫الطويلة "المواكب"‪ ،‬وقد نشرت في‬                                    ‫مجموعة نساء"‪،‬والثالث‬
      ‫مصر عام ‪١٩٢٣‬م‪ ،‬بمقدمة كتبها‬                                   ‫"صوت مجموعة رجال"‪،‬‬
                  ‫الشاعر "نسيب عريضة"‬                               ‫وأخي ًرا "صوت الشاعر"‪.‬‬

                 ‫أو عيوني‬          ‫الذاكرة"‪،‬وفي آخر قصيدة‬              ‫ويقبس الشاعر عنوان‬
            ‫اصبحي أر ًضا‪،‬‬            ‫بعنوان "الموت بينهما‪..‬‬         ‫الديوان "شجر الليل" من‬
‫و ُش ّقي لي في ُت ْربتك السمراء‬      ‫حوارية"‪ ،‬يبرز الشاعر‬           ‫هذه القصيدة‪ ،‬حيث تنشد‬

                     ‫كه ًفا‪،‬‬      ‫حوا ًرا بين صوتين‪ ،‬صوت‬                    ‫مجموعة النساء‪:‬‬
            ‫وا ْبلعيني(‪.)21‬‬         ‫إلهي هو "صوت عظيم"‬            ‫َشج ُر الليل على مفرقنا مال‪،‬‬
 ‫المكابدة التي عاناها الشاعر‬
   ‫طوال حياته‪ ،‬جعلت جابر‬         ‫يمتح مباشرة من القرآن بلا‬                           ‫وأرخى‬
 ‫عصفور يطلق عليه وصف‬                       ‫تغيير ولا تبديل‪:‬‬          ‫َشعره المحلو َل في أكتافنا‬
    ‫"حكيم محزون"(‪.)22‬‬                            ‫والضحى‪،‬‬          ‫ثم ألقى ث َم َر الو ْجد‪ ،‬وأزهار‬
   ‫وقد حدددور صلاح عبد‬                     ‫والليل إذا سجى‪،‬‬
‫الصبور في تجديد "الشعرية‬                                                              ‫الكآبه‬
       ‫العربية" بقوله‪" :‬هو‬            ‫ما ودعك ربك وما قلى‬         ‫في مآقينا وفي أكمامنا(‪.)17‬‬
 ‫الشاعر الذي يغدو ما بعده‬        ‫وللآخرة خير لك من الأولى‬
  ‫مختل ًفا عما قبله‪ ،‬بل يغدو‬                                          ‫ولا يبدو صوت الشاعر‬
  ‫ما بعده منطو ًيا على وعود‬            ‫ولسوف يعطيك ربك‬               ‫متماي ًزا كثي ًرا عن صوت‬
   ‫غواياته التي لا تكف عن‬                    ‫فترضى(‪.)20‬‬
    ‫إثارة من يدنو منها على‬                                                ‫النساء‪ ،‬فهو صوت‬
    ‫امتداد الأجيال اللاحقة‪..‬‬      ‫والآخر "صوت واهن"هو‬             ‫السقموالتعاسة والسأم‪ ،‬بل‬
    ‫فيغير الشعر بحضوره‪،‬‬           ‫صوت شبيه بصوت النبي‪،‬‬             ‫الفزع العظيم(‪ ،)18‬كما أن‬
‫ويدفعه إلى أن يفارق قواعده‬       ‫ففيه من كلماته ما لا يخطئه‬
  ‫المق ّررة‪ ،‬وتقنياته المألوفة‪،‬‬                                     ‫صوت النساء كان صوت‬
    ‫ورؤاه الموروثة‪ ،‬مندف ًعا‬                         ‫النظر‪:‬‬           ‫الكآبة والوحشة والألم‬
                                          ‫د ّثريني‪ ..‬د ّثريني!‬        ‫الموجع‪ .‬ثم كان الصوت‬
                                          ‫ز ّمليني‪ ..‬ز ّمليني!‬
                                        ‫و ُخذيني بين ن ْهديك‪،‬‬       ‫المج ّهل من قبل‪،‬يبدأ بآهة‪،‬‬
                                         ‫وض ّميني‪ ،‬فلا يجد‬             ‫ويمضي يصف الرعب‬
                                 ‫الصو ُتالإله ُّيطريقا ل ُصماخي‬
                                                                 ‫والأحزان‪ ،‬أما صوت الرجال‬
                                                                     ‫فقد ج ّسد الظلمة الكابية‬
                                                                               ‫والجدب(‪.)19‬‬
                                                                    ‫أما آخر ديوان أنتجه عبد‬

                                                                  ‫الصبور في حياته القصيرة‪،‬‬
                                                                      ‫فهو ديوان "الإبحار في‬
   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258