Page 254 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 254

‫العـدد ‪26‬‬                                ‫‪252‬‬

                              ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬                           ‫إلى آفاق غير مطروقة أو‬
                                                                  ‫متوقعة"(‪ .)23‬وقد توقفنا‬
                ‫القطا(‪.)27‬‬        ‫صوت"لوركا"‪ ،‬وصوت‬                ‫عند مفهومه للتشكيل الذي‬
    ‫لكني برغم ذلك أحب أن‬              ‫" َواي ْتمان" و صوت‬
  ‫أعود لصلاح عبد الصبور‪،‬‬                                             ‫يفضله على المعمار‪ ،‬كما‬
    ‫ففي آخر مقال كتبه قبل‬      ‫"يوحنّا المعمدان"‪،‬ثم صوت‬             ‫ضربنا الأمثلة بمحاولته‬
  ‫وفاته الفاجعة‪ ،‬تناول شعر‬       ‫"ماوتسي تونج" وكذلك‬
    ‫إليوت (‪١٩٦٥ -١٨٨٨‬م)‬            ‫"صاحب ال ّز ْنج علي بن‬             ‫جعل القصيدة الغنائية‬
   ‫في مراجعته للترجمة التي‬                                           ‫متعددة الأصوات‪ ،‬لذلك‬
  ‫قدمها "ماهر شفيق فريد"‬      ‫محمد" الأثير لدى أدونيس‪،‬‬             ‫يجب ألا يفوتنا أن نتوقف‬
 ‫لقصائد إليوت‪ ،‬وقد ظهر في‬     ‫ثم صوت " ُع ْر َوة بن ال َو ْرد"‬   ‫عند قصيدة "الموت بينهما‪..‬‬
 ‫المقال أن عبد الصبور قارئ‬                                       ‫حوارية" لنقول إن القصيدة‬
 ‫مجيد لإليوت الناقد وإليوت‬        ‫زعيم ال ّصعاليك"‪،‬وأخي ًرا‬       ‫كادت أن تقترب من مفهوم‬
     ‫الشاعر‪ ،‬فهو يرى نتاج‬         ‫صوت "كفافيس"(‪.)24‬‬             ‫النّ ّص‪ ،‬ومن "التنا ّصية" التي‬
    ‫إليوت متكام ًل‪ ،‬ويرى أن‬       ‫كذلك فإن بعض قصائد‬            ‫هي غير الاقتباس والتضمين‪،‬‬
  ‫شعره "مليء بالمعرفة‪ ،‬التي‬       ‫"السياب" حملت ميزات‬               ‫فقد ح ّرف الشاعر‪ ،‬كلام‬
   ‫يستطيع تحويل مفرداتها‬                                          ‫النبي‪ ،‬ولم يجعله سائ ًرا في‬
                                    ‫تدخلها في زمرة البناء‬       ‫سياقه القديم‪ .‬وهذا ما سوف‬
        ‫المختلفة من فوضاها‬     ‫الحديث‪ ،‬وقد كتب "محمود‬                 ‫نناقشه في شعر رفعت‬
‫وعشوائيتها إلى نظام شعري‬      ‫درويش" بعد ذلك كثي ًرا من‬
                                ‫النصوص الطويلة التي قد‬                               ‫س َّلم‪.‬‬
   ‫محكم"(‪ .)28‬ويشير عبد‬                                            ‫لقد ذكرنا "جبران" ورأي‬
  ‫الصبور إلى تعدد الأصوات‬        ‫تبدوغنائيتها لافتة‪ ،‬لكنها‬         ‫نسيب عريضة في قصيدة‬
 ‫في شعر إليوت‪ ،‬لكنه يسميه‬      ‫تحمل أصوا ًتا متعددة‪ ،‬ولو‬            ‫"المواكب"‪،‬ثم ع ّرجنا على‬

     ‫"الاقتباس" وهو الاسم‬        ‫على نح ٍو من الأنحاء‪ ،‬كما‬            ‫"صلاح عبد الصبور"‬
    ‫المعروف وليس المصطلح‬        ‫في نصه "مأساة النرجس‬                  ‫ونقاشه مع "عز الدين‬
 ‫الجديد‪ .‬ومع ذلك فهو منتبه‬    ‫ملهاة الفضة" المنشورة أول‬            ‫إسماعيل"‪،‬ثمإننا يجب أن‬
   ‫إلى أن اقتباس إليوت ليس‬    ‫مرة عام ‪١٩٩٠‬م‪،‬حيث نسمع‬               ‫نؤكد أن القصيدة الحديثة‬
‫"تضمينًا" بالمعنى المأثور في‬  ‫أصوا ًتا متداخلة من "الكتاب‬         ‫‪-‬سواء حسبت بالطول‪ ،‬أو‬
‫البلاغة العربية‪ ،‬ولكنه تجميع‬    ‫المقدس" ومن "الأوديسا"‬              ‫حسبت بالنزعة الدرامية‪،‬‬
 ‫لشذرات من التراث الأدبي‪،‬‬       ‫لهوميروس‪ ،‬ومن الجنرال‬                  ‫وسواء وصفنا بناءها‬
‫في هيكل جديد يعطيها معنًى‬                                            ‫بالمعمار أو التركيب‪ ،‬أو‬
     ‫جدي ًدا"(‪.)29‬وبرغم أن‬          ‫"اللنبي" ينعق بقولته‬          ‫وافقنا صلاح عبد الصبور‬
   ‫صلاح عبد الصبور‪ ،‬وهو‬                          ‫القبيحة‪:‬‬           ‫على أنها تمتاز باحتوائها‬
 ‫يصف شعر إليوت‪ ،‬قد ذكر‬                                              ‫على "ذروة شعرية"‪ -‬في‬
    ‫الاقتباس والتضمين‪ ،‬بل‬         ‫"ها نحن عدنا يا صلاح‬
    ‫ذكر السرقة‪ ،‬فإن المؤكد‬                        ‫الدين"‬                ‫كل الأحوال يجب أن‬
   ‫أنه لم يعرف(حتى ‪)١٩٨١‬‬                                            ‫نذكر أن "أدونيس" كان‬
‫مصطلح الن ّص‪ ،‬ولا مصطلح‬             ‫فابحث عن بنين(‪.)25‬‬              ‫رائ ًدا لتلك القصيدة‪ ،‬فقد‬
   ‫"التنا ّص"‪،‬لا هو ولا غيره‬        ‫وفي القصيدة أصوات‬                ‫انتهى من قصيدة "قبر‬
 ‫من الشعراء والنقاد العرب‪،‬‬       ‫أخرى كثيرة منها صوت‬               ‫من أجل نيويورك" في ‪١٥‬‬
    ‫وهو منهم‪ ،‬وهذا لا ينفي‬     ‫"الإمبراطورية الرومانية"‪،‬‬            ‫مايو ‪١٩٧١‬م‪ ،‬وفيها يبدو‬
‫فهمه العميق لقضية البناء في‬         ‫وأخي ًرا صوت الشاعر‬           ‫صوت "كارل ماركس" مع‬

                                                 ‫العربي‪:‬‬
                                          ‫وبلا ُدنا ميلادنا‬

                                                 ‫أجدا ُدنا‬
                                                 ‫أحفا ُدنا‬
                                        ‫أكبا ُدنا نمشي على‬
                                    ‫القندول(‪ )26‬أو زغب‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259