Page 259 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 259

‫الملف الثقـافي ‪2 5 7‬‬

   ‫الذي حددنا فيه النمط‬        ‫جعلت من الأرض مسج ًدا‬               ‫بعد هذا المسح للنص‪،‬‬
‫الذي يمكننا بهدرج النص‬            ‫وطهورا‪ ،‬لكن التجارة‬            ‫واستخراج ‪ ٠٢‬موض ًعا‬
‫الخارجي في نصنا الحالي‪،‬‬                                           ‫وجدناها "تتنا ّص" أي‬
‫أو تمييزه عنه‪ ،‬فقد تماهى‬      ‫بالدين تهدم الدين لصالح‬        ‫تتداخل مع نصوص أخرى‪،‬‬
‫النص المستدعى في جسد‬                ‫"رجاله" المخلصين‪.‬‬        ‫لابد أن نعترف أن النص به‬
                                                              ‫مزيد من مواضع التداخل‪،‬‬
   ‫النص الحالي‪ ،‬على نحو‬           ‫ويبدأ النص بما زعمنا‬
   ‫يصعب معه القول بأن‬          ‫أنه "مرجع"‪ ،‬وهو كلمات‬               ‫وقد عمل "محمد عبد‬
 ‫الشاعر قد نقل أو اقتبس‬       ‫الشاعر "آرثر رامبو" نبي‬           ‫المطلب"(‪)83‬من قبل على‬
 ‫أو سرق من هذا المصدر‬                                           ‫ديوان "الإشراقات"كله‪،‬‬
 ‫أو ذاك‪ ،‬لكننا مع ذلك لم‬          ‫الحداثة الشعرية الذي‬      ‫واستخرج "اقتباسات" ردها‬
   ‫نتردد في القيام بعملية‬      ‫عكف "رفعت س َّلم" على‬
    ‫المسح لأنها أفادتنا في‬                                              ‫لمصادرها أي ًضا‪.‬‬
   ‫محاولة الوصول لفهم‬            ‫أعماله فترجمها للعربية‬        ‫بعد معاودة النظر في نص‬
   ‫الدلالة الغائبة والمبهمة‬     ‫في مجلد ضخم‪ ،‬وينتهي‬          ‫"مكابدة" سنجد أن العنوان‬
  ‫للنص‪ ،‬ولقد اجتهدنا في‬        ‫النص بالإشارة إلى محنة‬          ‫نفسه‪ ،‬لا ينفك يتنا ّص مع‬
   ‫منح كل "نص" أصبح‬              ‫الكلمة‪ ،‬التي كانت ُلحمة‬
                                                                 ‫ما جاء في جسد النص‪،‬‬
     ‫مرج ًعا لنصنا الحالي‬         ‫النص وسداه‪ ،‬فالكلمة‬          ‫فالمحاكمات المرفوضة لكل‬
   ‫بوصف من الأوصاف‬             ‫ليست إلا مسؤولية‪ ،‬وهي‬            ‫من سقراط والمسيح‪ ،‬هي‬
 ‫التي تؤدي إليها عمليات‬                                      ‫مثل المحاكمة المرفوضة التي‬
   ‫التناص من "سخرية"‬               ‫في ذات الوقت أساس‬
  ‫و"محاكاة" و"هدم" أو‬          ‫الشعر ومادته‪ ،‬ومن أجل‬            ‫جرت مع الشاعر صلاح‬
                             ‫تثوير الكلمة وتجديد الشعر‬        ‫عبد الصبور‪ ،‬وعبثية العالم‬
             ‫"تحريف"‪.‬‬          ‫كان كل الأنبياء والشعراء‬
                               ‫والمتصوفة‪ ،‬وكانت وعود‬           ‫التي جعلت بعض الأنبياء‬
 ‫حصاد التجربة‬                    ‫الجنة والنعيم‪ ،‬والأمثال‬         ‫يصرخون كما لو كانوا‬
                             ‫الواردة في القرآن والإنجيل‪،‬‬
     ‫دأب رفعت س َّلمعلى‬                                      ‫يصرخون في البرية ولا من‬
‫العناية بالتركيبة الشعرية‬           ‫والحضارات القديمة‬          ‫مجيب‪ ،‬هي "مكابدة" مثل‬
 ‫التي كان يدعو إليها‪ ،‬إلى‬    ‫والحديثة‪ ،‬والوحي والتمرد‬       ‫التي عاناها بطل "ثربانتس"‬

  ‫أن جعلها ن ًّصا متداخ ًل‬       ‫والعصيان‪ ،‬كلها تستمد‬             ‫"دون كيخوته"بسيفه‬
‫متعدد الأصوات ح ًّقا‪ ،‬كما‬      ‫من زاد الكلمة وتؤدي إلى‬        ‫المكسور لكي يواجه العالم‪،‬‬

  ‫في آخر دواوينه "أرعى‬           ‫"كلمة جديدة" نسميها‬             ‫أما صلاح عبد الصبور‬
‫الشياه على المياه" ونختار‬       ‫شع ًرا أو نسميها "ن ًّصا"‬        ‫فهو "نب ُّي الشعر" الذي‬
                               ‫لا فرق‪ ،‬لكن ذلك كله إنما‬        ‫انقطع عنه الوحي فصرخ‬
         ‫منه هذا المقطع‪:‬‬       ‫هو "مكابدة" كما وصف‬              ‫"دثريني‪ ..‬دثريني"‪،‬وقد‬
 ‫أيتها الجنيات الصاعدات‬       ‫القرآن حياة الإنسان الذي‬            ‫انتهت القصيدة‪/‬النص‬
                                                                 ‫بامتصاص كلماته التي‬
     ‫إلى الرأس‪ ،‬الهوينى‪،‬‬                ‫" ُخلق في َك َبد"‪.‬‬  ‫وجهها للصوفي بشر الحافي‪،‬‬
    ‫ظل بلا جسد يتمشى‬         ‫لم نكن في مسحنا للمصادر‬          ‫وإن النداء المتكرر للسلفيين‬
     ‫‪-‬وحي ًدا وئي ًدا‪ -‬على‬    ‫والتأثيرات‪ ،‬غافلين عن أن‬        ‫المتاجرين بالدين والإلحاح‬
   ‫الحافة المسنونة‪ ،‬خلفي‬      ‫التناص "ينطوي عل تعقيد‬            ‫على الفقراء المعوزين لكي‬
‫مدن من خفافيش وغربان‬                                         ‫يتبرعوا لبناء "بيت لله" هو‬
                                 ‫نظري ينبغي فهمه قبل‬        ‫مخالف لشريعة الإس َّلم التي‬
                                ‫ممارسته نقد ًّيا في تأويل‬
                                 ‫النصوص"(‪،)93‬ولذلك‬

                                  ‫وضعنا العمود الثالث‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264