Page 260 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 260

‫العـدد ‪26‬‬           ‫‪258‬‬

                                                            ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬     ‫وحيات تسعى في شوارع‬
                                                                          ‫البلد المقدس* عواء وفحيح‬
‫من نص "أرعى الشياه على‬             ‫في صفحة واحدة‪،‬كما‬                      ‫ونواح عيون جاحظة‪ ،‬ولح ًى‬
   ‫المياه" تحمل سمات تلك‬       ‫كان الديوان الأول حاف ًل‬
  ‫التناصية‪ ،‬فالبلد المقدس‪،‬‬     ‫برسومات الفنان محمود‬                           ‫مسمومة‪ ،‬ظلمات تحتل‬
  ‫أي فلسطين‪ ،‬المذكورة في‬                                                 ‫الظهيرة‪ ،‬الأرض التي ما وعد‬
                                      ‫الهندي وخطوطه‪.‬‬                      ‫الله بها إلاي‪ ،‬فهل أدلكم على‬
 ‫الكتاب المقدس أي التوراة‪،‬‬     ‫لا غرابة أن يص ّر الشاعر‬
    ‫والآية التي تتحدث عن‬                                                  ‫شجرة‪ ،‬ما أنزل الله بها من‬
      ‫شعب الله المختار أي‬          ‫على الوصول إلى تلك‬                                       ‫سلطان؟‬
                               ‫الصيغة المر ّكبة‪ ،‬أي النص‬
  ‫اليهود‪ ،‬ثم البرابرة الذين‬                                              ‫*ليسوا برابرة كفافيس‪ ،‬ولا‬
 ‫ذكرهمكفافيس في قصيدة‬            ‫الذي يتكون من الكلام‬                       ‫جحافل هولاكو‪ ،‬خفافيش‬
 ‫شهيرة بعنوان "في انتظار‬       ‫والرسم من ناحية‪ ،‬والمتن‬                     ‫وغربان وحيات من نحاس‬
                             ‫والهامش من ناحية أخرى‪،‬‬                            ‫صدئ ومعادن مرتبكة‬
    ‫البرابرة"‪ ،‬وقد ترجمها‬
  ‫رفعت س َّلم‪ ،‬ثم الشجرة‬          ‫ولقد دأب الشاعر على‬                    ‫تسعى فلا يراها المارة(‪.)04‬‬
                               ‫استخدام أسلوب التكرار‪،‬‬                          ‫سيكون على القارئ أن‬
    ‫التي وسوس الشيطان‬          ‫سواء على مستوى الكلمة‬
    ‫إلى آدم‪ ،‬كي يأكل منها‪،‬‬   ‫أو العبارة‪ ،‬ولا أدل على ذلك‬                  ‫يراجع النص في صفحة ‪٢٣‬‬
 ‫من أجل ُم ْلك لا يبلى‪ ،‬وهي‬    ‫من أن عنوان هذا الديوان‬                    ‫من الطبعة الورقية للديوان‪،‬‬
 ‫مذكورة في القرآن الكريم‪،‬‬      ‫الأخير "أرعى الشياه على‬                   ‫لكي يرى ويقرأ ويعاينما ورد‬
‫أما الجنيات في بداية النص‪،‬‬     ‫المياه"‪ ،‬قد سبق ذكره في‬                     ‫على الصفحة من رسومات‬
 ‫فتشير إلى أساطير اليونان‬      ‫ديوانهالسابق "إشراقات‬                       ‫بخط الشاعر ومن هوامش‬
 ‫وخاصة الأوديسة‪ ،‬ورحلة‬                                                   ‫نقلت منها هنا هام ًشا واح ًدا‪،‬‬
‫بطلها أوديسيوس إلى العالم‬           ‫رفعت س َّلم"(‪.)14‬‬
 ‫السفلي‪ ،‬فإذا كانت صفحة‬           ‫فكان التكرار سمة من‬                           ‫ومن مربعات بداخلها‬
  ‫واحدة‪ ،‬بل نصف صفحة‬              ‫ضمن سمات أسلوبية‬                         ‫نصوص‪ ،‬فتصبح مكونات‬
                                  ‫أسهمت في بناء النص‬                       ‫الصفحة بين متن وهامش‪،‬‬
      ‫تحمل كل هذا التعدد‬          ‫عند رفعت س َّلم‪ ،‬كما‬                       ‫بل هوامش‪ ،‬يضاف إليها‬
    ‫والتنوع والثراء الدلالي‬    ‫كانت "التنا ّصيّة"‪-retnI‬‬                    ‫الرسوم‪ ،‬هذا ما كان يطمح‬
  ‫الناتج عن تعدد الأصوات‬         ‫‪ytilautxet‬في صورتها‬                        ‫إليه الشاعر‪ ،‬وقد حققه في‬
‫الملتبسة والمح ّملة بنصوص‬    ‫الحديثة أهم سمات الحداثة‬                    ‫هذا الديوان الأخير على النحو‬
    ‫قديمة وحديثة‪ ،‬مقدسة‬      ‫الشعرية التي سماها "تعدد‬                      ‫الذي أرضاه‪ ،‬لكنه بدأه من‬
  ‫وأسطورية‪ ،‬فلا شك أننا‬      ‫الأصوات"‪ ،‬في مقابل البناء‬                     ‫أول ديوان حين راوح بين‬
 ‫أمام "بناء مر ّكب" قد وعد‬   ‫الأحادي الذي رآه تقلي ًدا‪ ،‬لم‬                 ‫الخطوط الكبيرة والخطوط‬
 ‫الشاعر بالوصول إليه ولم‬     ‫تخرج عنه قصيدة التفعيلة‪.‬‬                      ‫المعتادة والخطوط الصغيرة‬
   ‫يبرح حتى ح ّقق ما وعد‬      ‫إن السطور المذكورة أعلاه‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265