Page 32 - مسيلة للدموع
P. 32

‫ثم تحول حديثه إلى لهجة جادة‪ ،‬وقال‪:‬‬
      ‫‪ -‬لن تستمعي إليه إلا إذا حدث لي شيء‪ ،‬استُشهدت‪ ،‬اعتُقلت‪ ،‬أ اردني الله لمهمة في السماء بعدما أنتهي‬

                                                                                   ‫من مهمتي الأرضية‪..‬‬
                                      ‫أنا لا أعرف ميعاد الرحيل‪ ،‬لذا لن أستطيع حينها أن أبلغ ِك بهذا السر‪..‬‬
                    ‫إذن ليس عندي خيار إلا أن أعطي ِك إّياه الآن‪ ،‬ولتسامحيني على هذا‪ ،‬وليغفر لي فضولك‪.‬‬

      ‫ُصعقت حورية من أثر الكلمات‪ ،‬إن الكلمات مرعبة حقا‪ .‬إنه يشعرها دائما أنه على استعداد للرحيل‪ ،‬إنه‬
      ‫يعيش كل حياته ليرتب للرحلة إلى الدار الآ ِخرة‪ ،‬كالطفل الذي يسهر طوال الليل يجهز حاجيات رحلة‬

                                                                 ‫المدرسة الصباحية‪ .‬أليس الصبح بقريب؟!‬

      ‫بعد وهلة أدركت أن عقلها الثرثار أوقف لسانها عن الحديث فترة ليست بالقليلة‪ ،‬وقلبها دغدغ قنواتها‬
                             ‫الدمعية‪ ،‬حتى أرت آسر من أمامها ضباب بسبب غيم الدموع في عينيها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                  ‫‪ -‬لا تقلق‪ ،‬سأتحملك أنا وفضولي بالقدر الذي ترغب بأن نتحمله من أجلك‪.‬‬
                                                    ‫ابتسمت ابتسامة جّرت و ارءها دمعتين فمسحتهما سريعا‪.‬‬

                                                                              ‫استدركها آسر‪ ،‬وقال مازحا‪:‬‬
      ‫‪ -‬مهلا مهلا‪ ،‬سيقول عني والدا ِك أنني أُبكي ِك يوم حفل خطبتنا‪ ،‬كفي عن هذا‪ ،‬هَيّا‪ ،‬لنرى باقي الهدايا‪.‬‬

                           ‫انظري إلى تلك الدمية‪ ،‬إنني صنعتها بيدي من أجلك‪ ،‬كم أنها مرحة وخفيفة الظل‪.‬‬

      ‫ضحكت حورية ضحكة هادئة‪ ،‬وأمسكت بالدمية المصنوعة يدويا بشكل في غاية البساطة‪ ،‬كانت‬
      ‫مصنوعة من القطن والقماش الأخضر‪ ،‬ولها أنف حم ارء‪ ،‬وعينان سوداوان مرسومتان بقلم أسود‪ ،‬وبعض‬
      ‫النمش منثور على خديها الورديين‪ ،‬وشعر أسود من الخيوط‪ ،‬ومكتوب بخط صغير على شريطة وردية‬

                                                                 ‫موضوعة حول عنقها (الحورية الصغيرة)‪.‬‬

                                                  ‫ق أرت بصوت متقطع (الحورية الصغيرة)‪ .‬ضحكت‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                                                                   ‫‪ -‬أهذه الدمية هي أنا؟‬

      ‫رد آسر بابتسامة تنّم عن بركان سعادة كبير في داخله؛ لأن الدمية حققت غرضها المطلوب‪ ،‬وأظهرت‬
                                                               ‫الجانب الطفولي من شخصية حورية سريعا‪:‬‬
                                                                                       ‫‪ -‬نعم‪ ،‬إنها أن ِت‪..‬‬

‫‪32‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37