Page 36 - مسيلة للدموع
P. 36
انفعل كرم عندما أرى ص ارخ تالا ،وكادت الدماء تفور من جسده ،وقد تلّون وجهه باللون الأحمر .إن
نخوته لن تسمح له أن يصمت على ما حدث خوفا من هؤلاء الأوغاد ،وان كان في موقف ضعف.
صاح بصوت عال موبخا الضابط الذي ضرب تالا:
-أتستعرض قوتك على فتاة تحمل من الرجولة أكثر مما تحملون جميعا؟ إن هذا ليس من المروءة في
شيء!
نظر إليه الضابط نظرة باردة ثم أمسك بيده السيجارة العالقة في فمه ،واقترب من كرم ،وأطلق دخانها في
وجهه ،وكرم واضع عينيه باتجاه عيني الضابط مباشرة ،لم يحِنها مطلقا.
قال له الضابط بهدوء مصطنع:
-حقا؟ أأنت الذي ستعلمني ما هي الرجولة؟
ثم أطفأ السيجارة في عنق كرم الذي انحنى من الألم ،وأصدر أّنات مكتومة لم ُيرد أن يتركها تعلو؛ حتى
لا يشعره بانتصار.
استفز هدوء كرم الضابط ،وسرعان ما بدأ الهدوء الذي اصطنعه في الاختفاء ،وأخذ يصيح ،ويسب بأقبح
الشتائم ،ثم ركله بركبته أسفل بطنه ،فسقط كرم على الأرض ،وما ازل ُيصدر تلك الأّنات المكتومة التي
بالكاد تُسمع ،تج َّمع العساكر حول كرم؛ ليضربوه ،معاونة وتملقا للضابط ،صرخ فيهم محاولا استع ارض
عضلاته ،وقال لهم:
-ت ارجعوا جميعا ،ألا ترون أني قادر عليه ،هو ومائة من أمثاله.
وبعد فترة من الإيذاء النفسي والجسدي ،والشتائم واللعنات ،والمشاو ارت في تلفيق الاتهامات لكل معتقل
على ِحَدٍة ،واجبارهم على الجلوس في وضعية أسرى الحرب ،تم وضع تالا في معتقل النساء ،وُوضع
المعتقلون من الرجال في معتقل الرجال ،لتبدأ رحلة لو كانوا ُمخيرين بينها وبين الموت لاختاروا الموت
قطعا ،مطمئنين أنهم أحسنوا الاختيار.
ليبدأ العزف على سيمفونية الألم بأول بيت في القصيدة (تجديد الحبس ١٥يوما على ذمة التحقيق).
36
مسيلة للدموع