Page 38 - مسيلة للدموع
P. 38

‫صادق آسر الشوارع والحا ارت‪ ،‬ألِفها‪ ،‬واعتاد عليها‪ ،‬كم من ليا ٍل اض ُّطر فيها للنوم في الشارع بعد عناء‬
      ‫التجول؛ بحثا عن مكان آمن‪ ،‬فلن ُيمِّكن الظالمين منه‪ ،‬ولن يختار أن ُيقّيد‪ ،‬وسيقاوم حتى النهاية‪ ،‬وان نام‬

                                ‫على الأرصفة‪ ،‬وأسند أرسه إلى الحجارة‪ ،‬واتخذ الت ارب ِف ارشا‪ ،‬والمباني ِستارة !‬

                                             ‫************‬

                                       ‫أهناك قسوة أكثر من ألا تعرف شيئا عن أهلك‪ ،‬ولا يعرفون شيئا عنك؟‬
      ‫بين ِعدة أيام وأُ َخر تسنح له فرصة الاتصال بهم عبر هاتف عمومي أو مركز اتصالات؛ ليطمئن على‬
      ‫أحوالهم‪ ،‬وسرعان ما يغلق الخط‪ .‬أوقف آسر رقم هاتفه المعروف لدى أهله ولا يستخدمه أبدا إلا إذا كان‬

                                              ‫الأمر طارئا جدا‪ ،‬حتى لا يمكن تتبعه من قبل الأجهزة الأمنية‪.‬‬
      ‫فماذا إن قلقت عليك أمك؟ أو أخبرها حدسها بأنك جائع‪ ،‬وترتجف من البرد؟ إنها لا تستطيع الاتصال‬

                         ‫بك‪ ،‬وسؤالك الذي سترد عليه كذبا‪ ،‬وتقول إنك لست جائعا‪ ،‬ولا ترتجف أبدا من البرد‪.‬‬
                                                         ‫إنها لا تستطيع حتى الاستماع إلى أكاذيبك النبيلة!‬

      ‫كان آسر يستقل سيارة والده أحيانا؛ فهي تساعده في التنقل من مكان لآخر‪ ،‬بما أنه لا يمكنه الاستق ارر‬
      ‫بالمكان نفسه لفت ارت؛ حتى لا يس ّهل عملية تتبعه من الأمن‪ ،‬وربما ينام فيها عندما تضيق به السبل‪ ،‬لكن‬
      ‫الأمر لم يكن سهلا أبدا‪ ،‬لم يستطع اصطحابها الوقت كله؛ فالكمائن البوليسية بعدد شعر أرسك في كل‬

                                                                                                  ‫مكان‪.‬‬

      ‫إنهم يطاردون الحب والأحلام‪ ،‬يهدمون الوطن كمعنى في النفوس قبل أن يهدموه كمؤسسات‪ ،‬يطاردون‬
                                                 ‫الشباب بدلا من مطاردة المجرمين والخارجين على القانون‪.‬‬

      ‫أن تُس ِّخر الأجهزة الأمنية نفسها لاعتقال الشباب‪ ،‬في حين تخاف التدخل في مشاجرة بين عصابة‬
                                           ‫مخد ارت أو تجارة أعضاء‪ ،‬بل تعقد معهم اتفاقيات لتقاسم الأرباح‪.‬‬

      ‫نحن في مهزلة‪ ..‬الوطن ليس بوطن‪ ،‬بل هو عصابة‪ ،‬ومافيا تحمي المنك ارت في العلن‪ ،‬وتحارب الطموح‬
                                                                                    ‫والفضيلة دون مواربة‪.‬‬

‫‪38‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43