Page 42 - مسيلة للدموع
P. 42
آسر الرجل .يظل رجلا شهما رغم مطاردته ،اتصل به أحد أصدقائه طالبا منه النجدة ،فهرع إليه منجدا
رغم ما حوله من مخاطر ،فقد جرب شعور أن يعيش بلا مأوى ولا منزل ،وذاب جلده من النوم مستأنسا
بالت ارب ،لن يستطيع أن يترك رفاقه بين غربة الصح ارء الموحشة ،ما أنبل َمن يحاول إعطاء الأمان
للجميع بينما هو يفتقده.
من جميل الأقدار أن آسر قد فتح خط هاتفه المغلق لدقائق كي يستفسر من أحد أصدقاءه سريعا عن
شيء بخصوص الاختبار ،في نفس الوقت الذي اتصل فيه ارمي بآسر كي ينجده ومن وحشة الصح ارء.
ومن تساهيل القدر أن السيارة كانت بحوزة آسر ،فليذهب مسرعا لنجدتهم وان لم ين ُج.
************
بماذا تذكر َك الصح ارء في مصر؟
تذكر َك بشكل الأه ارمات وعظمتها ،وتلك الحبيبات الرملية الصغيرة عندما تسقط عليها أشعة الشمس،
فت ارها كأنها ُفتات من الذهب.
تُذكرك بالخيول الشامخة عندما تمتطيها كالفرسان ،وتُحدث غبا ار ،فتشعر وكأنك في معركة ،شعور الِعَّزة
والأنفة.
كل هذا هو محض ُه ارء !
ثم إن في تلك الساعة لم تكن الرمال ذهبية ،ولم تُطلى بأشعة الشمس ،بل كانت السماء معتمة ،والرمال
سوداء ،في عمق الليل.
هدوٌء كاسح ،الرعب يخّيم على أرجاء المكان الفارغ تماما من أي شيء.
أر ٌض جرداء أُلق َي فيها عدٌد من الشباب ،ربما حلم أحدهم ذات مرة بأن ُيع ِّمر تلك الصح ارء التي تشكل
معظم مساحة مصر ،ويقوم بز ارعتها ،وربما خطط أحدهم لمشروع يُقام هنا على تلك الأرض الميتة،
فيحييها بإذن الله ،ويقضي على البطالة ،ويزيد الإنتاج ،ويساهم في دعم اقتصاد الوطن.
ولكن قطعا لم يتخيل أحدهم أن ُيلقى في تلك الصح ارء في عمق الليل ،وبدون جريرة.
لماذا؟ ماذا فعل؟ أكان يتظاهر أم ُيشجع كرة القدم؟
42
مسيلة للدموع