Page 37 - مسيلة للدموع
P. 37
العالم كله يركض خلفك ،العيون من حولك ،اسمك يتم تداوله ،تُصنع من أجله التوصيات ،وتُنصب من
أجله الكمائن ،وتُرَسل الحملات الأمنية الضخمة من أجل اعتقالك.
تتعجب ..هل أنا لهذه الدرجة مخيف؟!
هل يحتوي جيبي كنوز الأرض ،وأحمل معي أس ارر الحياة؟
ليس معي شيء كي يأخذوه ،هل يريدون جسدي كي ُيشبعوا نقائصهم الحقيرة بأن يتفننوا فيه تعذيبا؟
أم هل يريدون إزهاق روحي بأن يدّربوا العساكر المبتدئين كيف يطلقون النار في َمقتَل؟
أم يريدون ِفكري؟ وكيف ينزعونه؟ من يظ َّن أن الِفكَر ُيمحى بقتل أصحابه وتعذيبهم فهو المقتول وال ُمعَّذب،
سيظل ُم َعَّذبا بلعنة الأفكار الصالحة التي يحاربهاُ ،يفني حياته في محاربتها ،إلى أن يموت ،وتبقى هي.
أصحاب الِفكر المتين تحيا أفكارهم ،وان ماتوا ،وأصحاب الفساد الِفكري تشبع أفكارهم موتا ،وان كانوا
على قيد الحياة!
انتصا ارتهم ازئلة ،أحلامهم متدنية ،لا تتجاوز أن يرتفعوا على أجساد القتلى ،ويصنعوا الث ارء على حساب
فقر الشعوب ،ويشعروا بالأمان من خلال ترويع الآمنين ،وان أمانهم مستحيل الحدوث ،وكل ارتفاع لهم
هو تد ٍّن في الشأن ،وِغناهم َلهَو عين الفقر في المادة والروح.
ُهنا لا وجود لشيء ُيسمى الوطن ،بين الطرقات المقطوعة ،والمباني ال ُمختبئة ال ُمنعزلة عن البشر قدر
الإمكان ،جَّرب آسر الاحتماء ببيت صديق ،ومن الأصدقاء من يخاف من أن يكون شخصا ُمطاردا
مطلوبا من الأمن يحتمي ببيته ،ربما يصيبه أذى أو ضرر ،فيختلق الحجج والأعذار؛ كي يتقي الخطر.
وقد يفهم آسر تخوفاتهم دون أن يفصحوا عنها ،فيرحل؛ حتى لا يكون ِعبئا أو ِحملا ثقيلا ،حاملا معه
ِعزة نفسه ،وحقيبته الظهرية التي فيها ملابسه التي لم تُغسل منذ ُمدة ،وكس ارت خبز يأكل منها حينما لا
يستطيع التجول.
فّكر بقضاء الوقت في المسجد ،لكنهم يغلقونه بعد كل صلاة ،ثم إن التردد على المساجد بشكل متكرر
هو سبب كبير للاعتقال ،وان كنت غير مطارد ،فما الحال إن كنت ُمطاردا؟
إنها ُمحاطة بعيون ال ُمخبرين ،ورسل الأمن ال ُمخلصين.
37
مسيلة للدموع