Page 35 - مسيلة للدموع
P. 35
بعد رحلة دنيئة لم تتجاوز ساعتين من الزمان ،تجمعت فيها كل أنواع الآلام في داخل هذه العربة ،عربة
الجحيم..
أعداد من المعتقلين ،ك ٌل منهم رواية من الألم..
من تركت صديقتها ،وقد علمت أنها ُقتلت ،ولم يكت ِف الضابط المجرم باعتقالها ،بل تعّدى بإيذائها جسديا
ونفسيا ،ليس فقط بالضرب أو السب بل بالعبث بجسدها ،والتحرش بها على م أرى ومسمع من الجميع.
من كان مصابا ثم ا ُعتقل وهو لا ي ازل ينزف ،ومن ترك أسرته وحيدة ،وهو العائل الوحيد لها.
وَمن ..وَمن ..وَمن ِمن أصحاب الحكايات السرية التي لا يعلمها إلا الله وأصحابها الذين عاشوها حتى
أفقدتهم الحياة.
وخلال هذا كله ارئحة السجائر الصادرة من صدور ضباط الشرطة المنزوع منها القلب الذي حلت محله
كل الصفات المذمومة ،ابتداء بالتي تعرفها ،وانتهاء إلى التي لم ترها من قبل.
أنزل أف ارد الأمن المعتقلين من عربة الشرطة ليدخلوا قسم الأزبكية ،وقد َفرضت عليهم أن يسيروا ارفعين
كلتي يديهم خلف رؤوسهم ،يمرون في طابور ،واحدا تلو الآخر ،وك ٌل منهم ينتظر دوره من الضرب،
والركلات الممزوجة بأقذع الألفاظ على الإطلاق ،حتى دخل الجميع إلى القسم ،هناك حيث «التشريفة».
مجموعة من العساكر جاهزون دائما ،وعلى أتم الاستعداد لتلك الحفلات.
لا تدري ما هي طبيعة هؤلاء القوم الذين تُقام حياتهم بأكملها ،ويكسبون لقمة عيشهم من أوجاع البشر
وتعذيبهم !
تشكيلة اليوم هي ركلات بالجملة ،إضافة إلى الِع ِص ّي والشوم ،ولا ضير من صعق الكهرباء إذا ما أ اردوا
مزيدا من الإثارة والتشويق لتلك الحفلة؛ لينزف كل من كان مصابا مزيدا من الدماء على دمائه ،وُيصاب
من كان معافى ،وتتألم كل النفوس جّارء الإهانة المتعمدة.
حاولت تالا أن تبعث برسالة إلى أمها؛ لتخبرها بأنها اعتُقلت ،وما إن تمكنت من إرسالها حتى لاحظ أحد
الضباط أنها تمسك الهاتف ،دفعه بحذائه الميري الغليظ من يدها ،فصرخت بشدة عندما أحست أن
أصابعها قد ُنِزعت من يدها ج ارء تلك الركلة الطائشة ،تحطم الهاتف ،وتناثرت أج ازؤه على الأرض قطعة
قطعة.
35
مسيلة للدموع