Page 33 - مسيلة للدموع
P. 33
إن كل منا يحمل بداخله طفولته ،يكبر هو وتظل طفولته كما هي ،لا تشيخ أبدا ،إما أن تحيا كطفلة دائما
أو أن يقتلها صاحبها فتموت ،لا تقتلي ذلك الطفل القابع بداخلك ،إنه ارئع.
عندما يرى ما يحزنه يحزن ،واذا أرى ما يسعده يفرح إلى أبعد الحدود ،وكأنه لم يحزن من قبل قط ،ولم
يعرف الحزن أبدا ،عندما يحزن ينسى سريعا ،لا ُيبقي في قلبه شوائب حزن ،لا يعرف أم ارض القلوب ،لا
يحقد ،ولا يكره ،يسامح لأبعد الحدود ،إنه ذو فطرة سليمة لم تتلوث بعد ،يعرف الخطأ والصواب من ذاته،
لا بحكم خبرته ،لكن بحكم فطرته!
صادق مع نفسه لدرجة الشفافية ،لا يخدعها ،ولا يتج َّمل أو يتصَّنع ،إنه ثابت جدا في نقائه رغم أنه كل
يوم في تغير مستمر ،يجعل الحياة أكثر مرحا وصفاء.
لا تن َسي ذلك الطفل إذا ما كثرت هموم الحياة.
ابتسمت تلك الابتسامة التي ترسمها على وجهها عندما تريد البكاء ،وقالت:
-لن أنساه حتما يا سيد آسر.
التفت آسر سريعا حتى لا يثير كلامه دموعها من جديد ،وقال بمرح:
-هَّيا ،لنرى البقية.
احتفظت حورية بابتسامتها العميقة التي تحمل جزيل الشكر والعرفان لآسر على قدرته البالغة في التعبير
بأبسط الأمور.
مصحف صغير ،ومفكرة صغيرة ،وقلم حبر..
قال آسر:
-إن هذا القلم يمكن أن تملأيه حب ار إذا ما نفد الحبر الذي بداخله.
ثم قال مازحا:
-اكتبي كثي ار ..ها ،لا تخ َشي من نفاد الحبر ،سأحضر ل ِك علبتين كاملتين من الحبر السائلَ ،و َضعي
المصحف في حقيبتك دائما ،إن ِك لن تضلّي بعده أبدا.
33
مسيلة للدموع