Page 48 - m
P. 48
العـدد 57 46
سبتمبر ٢٠٢3
المنظر الروسي ميخائيل باختين .Chrontopeإنه المكونات وبالتالي تطويرها بما تقتضيه الصيغة
الموقع الذي يشكل مصد ًرا أو بنية تقوم على ما السردية للأحداث .فيأخذ المكان موقعه الجديد بما
تنطوي عليه من علامات تتجدد بضرورة الحدث
تجري عليها وتتفاعل من أحداث تنتمي إلى المكان
بنسب متفاوتة وأحيا ًنا حسب حدة الصراع بين السردي فاعليته في الموقع والزمن.
فإذا كان السرد كما يقول منظر الدراسات السردية
مكونات المكان .وهو ما يصوره الروائي لذلك
المكان بأنه «ور َّبما كان زهير ذاته طي ًفا يسرى ديفيد هيرمان مخط ًطا من أجل تشيد عال ٍم ما
عبر الأزمنة والأماكن .من يدري أو يقطع يقينًا فالفضاء بالتالي جزء جوهري من الفعل الذهني
بأ َّن الشخص هذا أو ذاك ،الذي نراه ونعرفه هو، لإعادة تشييد العالم ما دام الخيال لا يمكنه إلا أن
وليس طي ًفا أو شخ ًصا آخر جاء في اللحظة المعينة يصور الأشياء التي تبدو امتدا ًدا فضائيًّا .وعلى
والتزم بقوانين المكان والزمان ،للت ّو؟» فالزمن هذه القاعدة تم َّددت فضاءات الرواية بما اشتملت
الذي تماسكت به الحكايات السردية داخل النص عليه من وحدات مكانية تضمها جغرافية تتفاعل
متزامنًا لا بما يحدد الحدث السرد وقعه ،بل ما فيها الاحداث ،وتبرز مكونات هذه الجغرافيا مما
تج َّسد من زم ٍن في الرواية يخضع الشخصيات إلى يزيد من قيمة المكان في النص السردي .وكثير
زمن ترمز حركته إلى حركة الشخصية في زمن من الروايات تغرق في تفصيل المكان دون تحريك
السياق السردي نفسه .ولأن كثي ًرا من الأحداث مكانيزماته التي تعمل على تحريكه وتمنحه بالتالي
استدعاء من الذاكرة خاصة تلك المتعلقة بحياة وجوده الفيزيقي (المادي) والروحي (الأنطولوجي)
الراوي كشخصية لا تنفصل عن زمن الرواية في في حوار متص ٍل مع بنية الأحداث .فالمكان يدعو
بعد زمنها التسلسلي Chronologyالكرونولوجي إلى تقصي الحدث السردي من خلال تعدد وتنوع
وزمن الذاكرة حيث يكون التسلسل المنطقي لمفهوم عناصره (الأحداث والشخصيات) التي تتشكل منها
الزمن الفيزيائي متجليًا بأبعاده المعروفة في الماضي أهمية المكان والمسافة المتقاربة Juxtaposition
والحاضر والمستقبل ،فحين يقول الراوي :أخ ِّط ُط بينه والشخصية الروائية في تكوين هويتها المرتبطة
لبابنوسة ،مرتع طفولتي وصباي ،سلخ ُت جز ًءا بالمكان وظروفه .ويتقاطع زمانيًّا بوصفه حركة بين
من شبابي ههنا .أح ُّب هذه البلدة كما يح ُّب الرج ُل موقع وآخر ،فالقطار مكان وزمان ثم إن اختلاف
تموقع الحكايات ما بين أحراش الجنوب ومغامرات
امرأ َته ،وليس زوجته». الأمبراروية أو مدينة تستحوذ طقوسها اليومية
حيث الحلفاوية في مغامراتها والراوي وأماكن
سطوة اللغة
أخرى يخترقها قطار حاف ًل بحكايات الراوي
ش َّكلت اللغة في رواية (أقراط الحلفاوية) مدخ ًل وشخصيات الرواية الموجودة بفعل الحدث والسرد.
تأسيسيًّا قامت عليه من حيث بنيتها الصلبة وقوة
والمكان في الرواية لم يتأتى إخبا ًرا أو وص ًفا
إشعاعها الرمزي مما يفيد بتجذر الاستيعاب طبوغرافيًّا للطبيعية المادية الساكنة كوجود مسبق،
اللغوي للروائي .فإذا درج النقد مؤخ ًرا على إبداء فقد حلَّلت الرواية إلى ح ٍّد كبير عناصره بما يتسق
الملاحظات اللغوية المستخدمة في الرواية العربية وبنية الرواية السردية .فما بين معلومات تاريخية
وأخرى ثقافية اجتماعية .تشير إلى العناصر دون
(المكتوبة باللغة العربية) بشكل يكاد يطغى على
الإحالات النقدية الأخرى مما يعكس ضع ًفا أصاب أن تجعل منها مكونات متناقضة بفعل الوصف
الخطاب الروائي في مكونه التأسيسي أي سلامة الروائي .إن وجود المكان وجود ذي بعد زمني
اللغة المؤسسة للنص الروائي .واللغة شرط أساسي كما هو موضوع ملموس إلى جانب بعد زمني آخر
يرتبط بالمكان من حيث تعاقب الأحداث؛ ويشكل
في كتابة الرواية؛ ولكنها ليست كافية في تكوين ثنائية مفترضة في تكوين أحد أهم محورين في
بناء سردي بمقتضى شروط كتابة الرواية وتقنية الخطاب الروائي (الزمكان) المصطلح الذي صاغه
أساليبها وتمثلها لغو ًّيا.