Page 44 - m
P. 44

‫العـدد ‪57‬‬                            ‫‪42‬‬

                                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫بين تجربة الكاتب في كتابة السيناريو والمكنة في‬     ‫أن التَّوهج السردي الإبداعي قد تعوقه أسباب قد‬
    ‫اللغة والقدرة على رؤية الشخصية مجسدة على‬         ‫تتصل بنشر الأدب في بعده الإحصائي أو ظروف‬
‫النص الروائي‪ .‬فارتسمت ملامح الصورة السردية‬          ‫النشر أو مما يعيق عادة إنتاج الأدب لأسباب باتت‬
  ‫وخلقت ن ًّصا روائيًّا دون أن يكون رهينًا لمحددات‬
     ‫الصورة السردية نفسها واستفادت من الطاقة‬             ‫معروفة في الواقع الثقافي السوداني‪ .‬وتضعنا‬
   ‫التحويلية التي بثتها الصورة الواصفة إلى النص‬      ‫هذه الرواية في أفق السؤال حول مدى الاستجابة‬
 ‫‪ visualization‬المُخصبة سرد ًّيا‪ ،‬فالصورة وحدها‬     ‫ومدى فاعليتها لهذا التراكم المعرفي والكتابي المنبثق‬
‫ليست كافية في تشكيل النص الروائي إذا لم تتخللها‬       ‫عن الممارسة وما تضيفه إلى رصيد الروائي وهو‬
   ‫أضواء سردية كاشفة تبين قدرة النص وحركته‬
 ‫بين الأحداث والشخوص وعناصر المكان والزمان‬              ‫يستعد لتشكيل رؤيته السردية وفق ما تحدده‬
                                                      ‫اختياراته‪ .‬والخبرة الكتابية إن جاز الوصف هي‬
      ‫وكل ما يقترن بالرواية في بعدها الكلاسيكي‬          ‫ما يقترن في المفهوم النقدي للخطابات السردية‬
     ‫أو تعريفها داخل تعريفاتها النقدية أو طرائقها‬
     ‫الأسلوبية‪ .‬ويقول الناقد والمفكر إدوارد سعيد‬           ‫أو المحايثة مضا ًفا إليها التجربة في القراءات‬
     ‫متحد ًثا عن الروائي الإنكليزي الأشهر جوزف‬           ‫السردية وجملة من مخزون لغوي مع وجود‬
   ‫كونراد‪ :‬كان المعنى الذي أنتجته الكتابة أقرب إلى‬  ‫مسبق ليس للموهبة وحسب ولكن للرؤية السردية‬
 ‫الملامح البصرية التي لا يمكن للغة أن تقترب منها‬          ‫‪ Narrative Vision‬المكتسبة التي تساعد على‬
                                                      ‫تكوين الفضاء السردي وتوسع من دائرة تغطيه‬
          ‫إلا من الخارج وعند بعد يبدو إنه ثابت»‪.‬‬         ‫لأحداث وشخوص روائية لا تساكن نصوص‬
 ‫تنطلق أحداث رواية (أقراط الحلفاوية) بصوت را ٍو‬      ‫النص الروائي؛ ولكن تتنزع ديناميكية حركتها من‬
                                                     ‫عملية الإنشاء الروائي وتفكيك الواقع الذي ترحل‬
  ‫عليم عبر فصول ثلاثة تشكل بنيتها الفنية وص ًفا‬      ‫تصوراته إلى النص الروائي‪ .‬ومن هنا كانت أهمية‬
  ‫لرحلة قطار مخاطبًا على عادة ما يرد في الرسائل‬     ‫روايات ُكتَّاب الرواية الواحدة التي أحدثت (تحو ًل)‬
‫(سيدي الطيب لك الود أجزله) النداء الذي سيتكرر‬          ‫أو بقيت علامات فارقة في تاريخ الرواية ومنها‪:‬‬
 ‫لاح ًقا في مفتتح فصول وأجزاء الرواية مما يشدنا‬     ‫رواية مارجريت ميتشل (ذهب مع الريح) أو رواية‬
                                                      ‫الشاعر الإيرلندي أوسكار وايلد (صورة دوريان‬
    ‫إلى الالتفات إلى مدخل العنوان أو عتبته وفق ما‬   ‫جراي) ورواية (لوليتا) فلادمير نوبوكوف وغيرها‬
‫يعرف باستراتيجية العنوان في الدراسات السردية؛‬           ‫من أعمال‪ .‬وكذا الأمر في السياق العربي رواية‬
‫وكل ما تعده من سياقات تحليلية تخضع (العلامة)‬          ‫(الخبز الحافي لمحمد شكري)‪ ،‬وثمة رواية خلدت‬
                                                    ‫لكتاب دون غيرها وتسيَّدت على ما عداها من إنتاج‬
                                                     ‫الكاتب نفسه كرواية (موسم الهجرة إلى الشمال)‬

                                                                                      ‫للطيب صالح‪.‬‬

                                                                 ‫الرواية‪ :‬البنية والتشكل‬

                                                    ‫ومع أنها الرواية (أقراط الحلفاوية) الأولى للروائي‪،‬‬
                                                         ‫فلا تعد تجربة أولى لكاتب متمرس في ضروب‬

                                                       ‫سردية اختلفت في الوصف المحدد لشكل الرواية‬
                                                     ‫لا تقنية الكتابة السردية التي تجعل من هذا النص‬
                                                      ‫ن ًّصا روائيًّا تقبع من ورائه خبرة ومهارة تطويع‬
                                                    ‫للصورة السردية وإعادة تشكيلها وفق آليات البناء‬
                                                    ‫الروائي‪ .‬وربما مثلت الصورة السردية ههنا تقاط ًعا‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49