Page 42 - m
P. 42

‫العـدد ‪57‬‬   ‫‪40‬‬

                                                       ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫خارج الالتزام الحرفي أحيا ًنا‪ .‬فالعبارة الشكسبيرية‬         ‫يلقاه ذو الجدارة وال َج َلد ِم ْن كل َم ْن لا خير فيه‬
   ‫«‪ ”quietus make‬هي في نهاية الأمر تعبير عن‬                           ‫لو كان في مقدوره تسديد حسابه‬
    ‫الموت ولعل اللجوء إلى بيانها بعبارة أخرى غير‬                                      ‫بخنج ٍر مسلول؟»‬
  ‫تسديد الحساب لتدل على الموت بوضو ٍح أكبر من‬                                ‫بينما يترجمها مطران إلى‪:‬‬
   ‫مجرد اللجوء إلى مكافئها المعجمي‪ ،‬سيبدو مبر ًرا‬
                                 ‫وربما مستحبًّا‪.‬‬          ‫“الموت رقاد‪ ،‬رقا ٌد وقد نكون به أحلام‪ .‬آها هذه‬
                                                        ‫عقد ُة المسألة‪ ،‬إنما الخوف من تلك الأحلام التي قد‬
 ‫أذكر أني قرأت ترجمة مطران أو ًل وأنا في السابعة‬       ‫تتخلل رقاد الموت بعد النجاة من آفات الحياة‪ ،‬وهو‬
  ‫أو الثامنة عشرة وأحببتها‪ ،‬ثم قرأت ترجمة جبرا‬          ‫الذي يقف دونه العزم‪ ،‬ثم هو الذي يسومنا عذاب‬
    ‫بعد ذلك بسنين أو ثلاث فعشقتها وكنت أحفظ‬            ‫العيش‪ ،‬وما أطو َل مداه‪ ،‬إذ لولا هذا الخوف لما صبر‬
    ‫الحوار في هذا المشهد عن ظهر قلب وأردده مع‬
      ‫نفسي بين الحين والحين‪ .‬إن الكلام الآن عن‬            ‫أح ٌد على المذلات‪ ،‬والمشقات الراهنة‪ ،‬ولا على بغي‬
     ‫تلك الاختلافات في فهم وإعادة انتاج النص في‬        ‫الباغي‪ ،‬ولا على تطاول الرجل المتكبر‪ ،‬ولا على شقاء‬
    ‫الترجمتين منزه عن أية محاولة للطعن أو النيل‬
                                                            ‫الحب المرذول‪ ،‬ولا على إبطاءات العدل‪ ،‬ولا على‬
‫وإنما هو في جوهره إحياء لثلاثة نصوص‪ .‬إنه كلام‬            ‫سلاطة السلطة ووقاحة القدرة‪ ،‬ولا على الكوارث‬
 ‫يريد الاحتفال بمترجم ْين وأديبي ْين كبير ْين راحلين‬      ‫التي يبتلى بها ال َح َسب الصحيح والمجد الصريح‪،‬‬

      ‫وينقب ولو سطحيًّا عن آثار أزيميليهما وهما‬            ‫بفعل الجهلة وتهجم السفلة‪ ،‬وفي وسع المرء أن‬
‫يعيدان نحت الصور البلاغية في النص الشكسبيري‬                ‫يترخص في الابتعاد فيسلم من كل هذه الرزايا‬
‫ليقدماه إلى القارئ العربي‪ .‬من الواجب هنا أن أشير‬
                                                                                       ‫بطعنة واحدة؟»‪.‬‬
    ‫إلى فضل مؤلفات وترجمات جبرا عليَّ شخصيا‬               ‫ما يريد هاملت قوله هنا هو أن كل تلك المصاعب‬
      ‫وتأثري به في المجالين‪ .‬الغرض من الإشارات‬            ‫يمكن أن تنتهي بمخرز بسيط يمكن للإنسان أن‬

‫السابقة هو تبيين مواقع الربح والخسارة في عملية‬              ‫يستخدمه في قتل نفسه‪ .‬والمفارقة هنا واضحة‬
  ‫الترجمة‪ .‬إن الانتباه إلى مثل هذه التفاصيل هو ما‬           ‫تما ًما فبغي «الباغي والهوى المردود على نفسه‬

                  ‫يجعل الحلم بترجمة مثلى ممك ًنا‬             ‫وغطرسة أولي المناصب والكوارث التي يبتلى‬
                                                              ‫بها ال َح َسب الصحيح والمجد الصريح‪ ،‬بفعل‬
                        ‫‪Bibliography‬‬                       ‫الجهلة وتهجم السفلة» كل ذلك يمكن أن ينتهي‬
                                                         ‫بمخرز (كان يستخدم في خرم وتجليد الكتب أيام‬
  ‫‪ -‬وليم شكسبير‪ ،‬ترجمة خليل مطران‪َ .)2012( .‬ه ْملت‪.‬‬        ‫شكسبير)‪ .‬يبدو أن المفارقة‪ ،‬بين عظم المصائب‬
              ‫القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للثقافة والتعليم‪.‬‬      ‫وسهولة الموت‪ ،‬ضاعت في الترجمتين‪ .‬وكما هو‬
                                                           ‫الأمر بي ٌن هنا فصوت شكسبير في هذا المقتطف‬
    ‫‪ -‬وليم شكسبير‪ ،‬ترجمة جبرا إبراهيم جبرا‪.)1979( .‬‬        ‫أوضح من صوت هاملت الأمير‪ .‬إذ من المعقول‬
   ‫مأساة هاملت أمير الدانمارك‪ .‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية‬    ‫والوارد أن يعاني شخص مثل شكسبير في زمنه‬
                                                              ‫كل تلك المصاعب‪ ،‬ولكن ليس من المعقول أن‬
                                   ‫للدراسات والنشر‪.‬‬          ‫يتعرض أمير مدلل مثل هاملت إلى «مماطلات‬
                                                       ‫القضاء وصلافة أولي المناصب والازدراء الذي يلقاه‬
‫‪- Eco, U. (2003). Mouse or Rat: Trnsla-‬‬                       ‫ذو الجدارة وال َج َلد ِم ْن كل َم ْن لا خير فيه»‪.‬‬
‫& ‪tion As Neogotiation. London: Weidenfeld‬‬                 ‫لا أخفي أني أميل إلى لغة ترجمة مطران أحيا ًنا‬
‫‪Nicolson.‬‬                                                 ‫لما فيها من عربية عالية تحاكي الأصل في القدم‪.‬‬
‫‪- Nietzsche, F. T. (1956). The Birth of‬‬                   ‫لكن ترجمة جبرا‪ ،‬الذي كانت له ولا شك فرصة‬
‫‪Tragedy and The Genealogy of Morals. New‬‬                 ‫الاطلاع على ترجمة مطران‪ ،‬أكثر تعبي ًرا وعم ًقا إذا‬
‫‪York: Doubleday.‬‬                                        ‫جاز لي القول‪ .‬لكن جبرا من ناحية أخرى لا يغامر‬
‫‪- Shakespeare, W. (1999). The Complete‬‬
‫‪Works VII. Hertfordshire: Wordsworth Edi-‬‬
‫‪tions.‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47