Page 61 - m
P. 61

‫‪59‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫الخوف والريبة»(‪ .)2‬إنه مكون أساس من مكونات‬       ‫والسكينة والحماس والشجاعة من جهة أخرى‪.‬‬
      ‫الرهاب‪ ،‬يهدد راحة الإنسان وأمنه‪ .‬وإذا كان‬
                                                   ‫لا يقيم لسان العرب فرو ًقا دقيقة بين مترادفات‬
‫الخوف لا يفترض سوى معرفة أو اعتقاد أو انتظار‬
‫فإن القلق يدرج من خلال الديمومة والتكرار(‪ .)3‬كما‬   ‫الخوف‪ .‬نقرأ في مادة خوف‪ :‬الخوف بمعنى الفزع‪.‬‬
‫يمكن له‪ ،‬في حالة الرهاب‪ ،‬أن يرتبط بانتظار الحدث‬
                                                   ‫ونقرأ في مادة فزع‪ :‬فزعه بمعنى أخافه وروعه‪،‬‬
  ‫أو العذاب الحقيقي كالسقوط في بركة أو نهر‪ .‬إن‬
    ‫الذات الهوية‪ ،‬لحظة إحساسها بالرهاب‪ ،‬المرتبط‬    ‫والفزع‪ :‬الذعر من الشيء‪ .‬بيد أن قاموس ‪le petite‬‬

     ‫بحدث مؤلم وقع في الماضي‪ ،‬تبني في مخيالها‬      ‫‪ rober‬يتيح إمكانية تحديد سلسلة من العلاقات‬
  ‫الهووي تصاوراتها الخاصة بها‪ .‬ولا يتعلق الأمر‬
‫هنا بصورة حقيقية‪ ،‬إنما بصورة تكهنية تفترض ما‬                             ‫والفروقات بين هذه المترادفات‪.‬‬
 ‫يمكن أن يقع؛ أي «ما يمكن أن تسقطه الذات لحظة‬
‫إصابتها بالهوى كما هو حال الغيور عندما يتصاور‬      ‫يعرف هذا القاموس الخوف (‪ )peur‬بوصفه‬

             ‫فرجة تجمع بين غريمه ومحبوبه»(‪.)4‬‬      ‫ظاهرة نفسية ذات صبغة عاطفية يرافقها وعي‬
    ‫في كل رهاب على حدة شكل من أشكال التعلق‪.‬‬
    ‫ولذلك‪ ،‬فإن قلق الذات مرتبط بتعلقها بشيء ما‬     ‫بخطر حقيقي أو متخيل نتيجة تهديد ما‪ .‬والتوجس‬
  ‫تخاف أن تفقده‪ ،‬قلق يدخلها في موجة هم عارمة‪،‬‬      ‫(‪ )crainte‬يعد إحسا ًسا مشرو ًطا بقلق نخاف‬
    ‫«والهم هو صورة هجينة ناتجة عن لقاء التعلق‬      ‫من خلاله من شخص ما أو شيء ما‪ .‬والذعر‬

       ‫والقلق [‪ ]..‬إن الهم يتخذ شكل قلق استوعب‬     ‫(‪ )panique‬خوف شديد يحدث اضطرا ًبا لدى‬
 ‫الجوهر الكيفي للتعلق»(‪ .)5‬وهكذا‪ ،‬فإن هذا التعلق‪،‬‬  ‫الشخص ويشله تما ًما عن الحركة‪ ،‬بينما الفزع‬
                                                   ‫(‪ )frayeur‬يحيل إلى خوف مرفوق باضطراب‬
   ‫الذي يكون ناب ًعا من ذات تجاه موضوع‪ ،‬يشكل‬
    ‫الأساس الثابت لكافة أشكال العلاقة بينهما‪ .‬إذا‬  ‫وحركات لا إرادية جنونية‪ .‬أما الرهاب (‪)phobie‬‬
     ‫كان الغيور شخ ًصا متعل ًقا‪ ،‬بشدة‪ ،‬بشخص ما‬
    ‫أو بشيء ما‪ ،‬وحري ًصا‪ ،‬كل الحرص‪ ،‬عليه‪ ،‬فإن‬      ‫فيشكل توج ًسا مرضيًّا مبال ًغا فيه من عدة أشياء أو‬
 ‫الشخص المصاب بالرهاب هو أي ًضا شخص متعلق‬                                          ‫حالات أو أفكار‪.‬‬
 ‫تعل ًقا شدي ًدا بشيء ما وحريص كل الحرص عليه‪.‬‬
  ‫وبالمقابل‪ ،‬فهو كاره لشيء آخر يهدده بالانفصال‬     ‫فيزيائيًّا لا تتحدد كثافة الشيء إلا بالنسبة إلى‬
     ‫عن الشيء المحبوب موضوع التعلق‪ .‬وهذا أمر‬       ‫شيء آخر‪ ،‬كنسبة كتلة حجمية إلى كتلة حجمية‬

      ‫مستساغ على كل حال‪ ،‬لأنه «حين نتصور أن‬        ‫أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن تحديد كثافة الشعور‬
   ‫شيئًا ما هو جيد بالنسبة لنا؛ أي أنه مناسب لنا‪،‬‬
  ‫فإن هذا يجعل الحب يسري في قلبنا نحوه‪ ،‬ولكن‬       ‫ستكون بالنسبة إلى شيء آخر‪ .‬في هذه الحالة‬
   ‫حين نتصوره سيئًا أو مض ًّرا فإن هذا يثير فينا‬
                                                   ‫سنحاول تحديد درجة الشعور بالخوف بوصفه‬
                                      ‫الكره»(‪.)6‬‬
     ‫تعلن الذات‪ ،‬بشكل صريح ومباشر‪ ،‬عن ثلاثة‬        ‫ظاهرة عامة في كل من الفزع والذعر والتوجس‬
 ‫أشكال من الرهاب‪ .‬أولها رهاب الماء وثانيها رهاب‬
     ‫أصص حافات النوافذ وثالثها رهاب التحرش‪.‬‬        ‫والرهاب‪ .‬وهكذا‪ ،‬سنحصل‪ ،‬استنا ًدا إلى التعريفات‬
  ‫سيتبأر التحليل حول الرهابين الأولين‪ ،‬وستكون‬      ‫السابقة‪ ،‬على علاقتين‪ :‬الأولى بين الذعر وبين‬
 ‫البداية بالرهاب الأول‪ ،‬رهاب الماء‪ .‬إن خوف الذات‬
 ‫من بركة ماء أو سد أو نهر‪ ،‬الذي يقتضي‪ ،‬مبدئيًّا‪،‬‬   ‫الفزع‪ ،‬والثانية هي بين التوجس وبين الرهاب‪.‬‬
  ‫فقدانها لفن السباحة‪ ،‬لا يعني الخوف من الماء في‬
                                                   ‫يمتاز الذعر والفزع بشدة الخوف ولكن يختلفان‬

                                                   ‫من حيث ردود الأفعال؛ الذعر يشل الحركة بينما‬

                                                   ‫الفزع ينتج حركات لا إرادية‪ .‬ويمكن الترميز لذلك‬

                                                    ‫[الفزع= ‪ +‬خوف‬        ‫‪-‬حركة]‬  ‫‪ +‬خوف‬   ‫بالآتي‪[ :‬الذعر=‬
                                                   ‫خو ًفا مرفو ًقا بقلق‬  ‫يشكل‬    ‫التوجس‬  ‫‪+‬حركة]‪ .‬وإذا كان‬

                                                   ‫فإن الرهاب توجس مضاعف‪ .‬ويمكن الترميز‬

                                                   ‫لذلك بالآتي‪[ :‬التوجس = خوف‪+‬قلق] [الرهاب =‬

                                                                                         ‫خوف‪++‬قلق]‪.‬‬

                                                   ‫‪ -2‬حول الرهاب‪:‬‬

                                                   ‫إن الشخص المصاب بالرهاب هو‪ ،‬في المقام الأول‪،‬‬
                                                    ‫كائن قلق بامتياز كالغيور تما ًما‪« .‬القلق أعم من‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66