Page 66 - m
P. 66
العـدد 57 64
سبتمبر ٢٠٢3
عن ًفا مدرسيًّا ،العفو والمسامحة. ظنهما كما قالا ..وبسببها ذقت طعم «الفلقة»
لكن ،هل يستوي الذي ندعو له بالرحمة والذي على يد معلم العربية السيد الشريف العلوي
ندعو له بالمغفرة؟ نقرأ في لسان العرب« :الرحمة: رحمه الله ،وتلقيت ضربات من أنبوب الغاز
الرقة والتعطف ،وترحم عليه :دعا له بالرحمة، على ظاهر اليد من معلم الفرنسية السيد محمد
والرحمة :المغفرة ،ورحمة الله :عطفه وإحسانه
ورزقه»( .)22لا يكون الترحم ،غالبًا ،إلا على الأموات. العوينة غفر الله له»(.)17
وناد ًرا ما ندعو لشخص حي بالرحمة .فأن يرحم لماذا عوقبت الذات من طرف المعلم ْين؟ ما هو الخطأ
الله إنسانا معناه أن يغفر له ذنوبه ويعطف عليه الذي ارتكبته؟ النسيان« .وقد تضاءلت غبطتي بها
ويحسن إليه ويرزقه مما عنده .أما المغفرة فترتبط، حيت نسيت ذات عطلة الواجبات تماما»( .)18كما
مباشرة ،بالذنوب والخطايا« .الغفور معناه الساتر نسي آدم عهد الله( )19نسيت الذات واجباتها .لكن،
لذنوب عباده ،المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم، أكان نسيا ًنا بحق؟ فلنر« :سألت ،ونحن في الصف
وأصل الغفر :التغطية والستر .غفر الله ذنوبه أي
سترها ،وكل شيء سترته فقد غفرته»( .)23الدعاء استعدا ًدا للدخول إلى الساحة لتحية العلم
بالمغفرة يكون للأموات كما للأحياء .فأن يغفر وترديد النشيد الوطني ،الجميع هل أنجزوا ما
الله لإنسان حي معناه أن يستر عيوبه وذنوبه ينجز منها ،وهل حفظوا ما يستظهر ،باح ًثا عن
ويحجبها عن الناس ،وأن يغفر لإنسان ميت معناه
أن يستر ذنوبه ويتجاوز عنها .هكذا ،فإن المغفرة عزاء في من تناساها مثلي»(.)20
تشمل ما مضى ،بينما الرحمة تشمل الماضي من يبدو أن ثمة التبا ًسا .عندما ننسى شيئًا معناه
خلال مغفرة الذنوب وتشمل المستقبل من خلال أننا لم نتذكره ،وعندما نتناساه معناه أننا تذكرناه
الإحسان والرزق والعطاء .بهذا المعنى ،فإن الرحمة وافتعلنا نسيانه ،كما لو كنا نكذب على الذاكرة.
هل ثمة خلط ،في النص ،بين النسيان والتناسي؟
أشمل من المغفرة. ليس ثمة خلط ،لأن هناك ما يؤشر على التذكر.
تطرح بلاغة الدعاء هاته نو ًعا من الأفضلية ،يمكنها «لم أتذكرها إلا في الطريق إلى حجرات الدرس،
فصرت مهمو ًما أفكر في التغيب يو ًما آخر حتى
أن تتخذ أبعا ًدا تطورية ،كأفضلية معلم العربية أنجزها كي لا أكون موضوع فرجة الجميع»()21
على معلم الفرنسية ،أو أفضلية عقاب المعلم الأول، يبد أن هذا التذكر جاء متأخ ًرا بعد فوات الأوان.
من حيث النوع والشرعية والمآل ،على عقاب المعلم وعندما نتذكر شيئًا فات أوانه ينتابنا إحساس مرير
الثاني ،أو أفضلية لغة على أخرى .غير أن كل هذه
بالحسرة ،ونرجو لو أننا لم نتذكره إطلا ًقا.
الأبعاد تبدو مغرضة تما ًما نتيجة سوء نية في كان العقاب مزدو ًجا .الأول من معلم العربية
الفهم .لذلك ،حتى لا يكون التأويل مغر ًضا ،ولا والثاني من معلم الفرنسية .كما لو أن لغتين
يكون الفهم سيئًا ،يمكن القول إن الذات خصت تعاقبان الذات على النسيان .لم يكن العقاب نفيًا من
معلم العربية بالرحمة كونه فارق الحياة ،في حين حجرة الدرس أو من الدرس ذاته ،ولم يكن تجري ًحا
خصت معلم الفرنسية بالمغفرة كونه حيًّا يرزق لم للنفس أو خص ًما للنقط ،بل كان ضر ًبا .غير أن هذا
الضرب لم يكن موح ًدا بين معلم العربية وبين معلم
يفارق الحياة بعد. الفرنسية ،والحال أن النسيان هو سبب العقاب في
الحالتين .ما يثير الانتباه أي ًضا هو أن الذات لم تد ُع
-2عقاب الأبوين: للمعلم ْين بدعاء واحد .دعت لمعلم العربية بالرحمة
ودعت لمعلم الفرنسية بالمغفرة .الدعاء لهما ،سواء
«وحين أخذت ،منتش ًيا ،أشرب كوز القهوة بالرحمة أو المغفرة ،يقتضي ،في جميع الحالات،
بالحليب ،وأقضم الكعكة بمتعة وتلذذ ،وأنتقي اعترا ًفا بشرعية العقاب وبمآلاته الجيدة (الانضباط،
تذكر الواجبات في حينها ،التحصيل الجيد ،النجاح).
حبات اللوز تارة وحبات الجوز أخرى، كما يقتضي ،في حالة عدم الاعتراف بشرعيته بع ِّده
سألني أبي عن الضجة ،فبدأت أحكي ببراءة