Page 67 - m
P. 67
65 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
مباشرة عن تناول المكسرات .وواصلت الحكي، لوحة آدم وحواء والشجرة -لوكاس كراناخ الأكبر -رسام في عصر النهضة
فعاودت أمي قرصي ،لكن قبل أن أدرك معنى
الإشارة ،فأحجم عن الحكي ،كنت قد أنهيت ما حصل ،فساد الصمت لحظات ،ربما أعجبني
إصغاؤهم ،فبالغت في الوصف ،ولربما نسيت
جملة تشخيصية جعلت خالتي ،التي لا تتمالك
نفسها من الضحك ،تنفجر ضاحكة ،وبوشتى أني أتحدث في حضرة أبي وأمي وخالتي
بحديث لا يصح أن يلقى في حضرتهم ..وأثناء
يضع يده على وجهه ،وأبي ينهض ليعود بأقرب ذلك شعرت بقرصة مؤلمة في فخذي ،لكنني لم
فردة حذاء وينزل بها على أم رأسي [ ]..كانت
الضربة مثل ضربة مطرقة ملطفة ،فسال الدم أحسن تأويلها ،فقد ألفت أن تكون إشارة من
من رأسي»(.)24 أمي كي أتأدب في الأكل ،أو كي أخفي شراهتي،
على الرغم من أن الخطأ واحد (حكي وقائع
خصو ًصا حين يكون لدينا ضيوف ،فتوقفت
التحرش) فإن الذات تعرضت لعقاب مزدوج؛ عقاب
الأم الخفي ،الذي قوبل بسوء التأويل ،وعقاب
الأب الواضح الذي لم يترك مجا ًل للتأويل .وهكذا،
فإن للعقاب بلاغته الخاصة تما ًما كالدعاء .كان
عقاب الأم قر ًصا .والقرص في اللسان «قبض على
الجلد بأصبعين حتى يؤلم [ ]..والقرص :التجميش
والغمز بالأصبع حتى تؤلمه»( .)25أما عقاب الأب
فكان ضر ًبا .والضرب ،كما ورد في لسان العرب،
معروف(.)26
في عقاب الأبوين ،إذن ،غمز وضرب .لربما فضلت
الأم الغمز على الضرب لكي يكف الابن عن الوصف
ولا يشعر أحد من الجالسين بأي حرج ،ولكي
يفهموا أن سكوته وكفه عن الوصف جاء تلقائيًّا
بدون أن يمنعه أحد .ومن ثم ،فقد حاولت ،بتلك
الإشارة الصامتة والخفية ،أن تستر ما هو ما ٍض
فيه ،ولربما عاقبته بتلك الطريقة حتى لا تشعر،
هي ،بالحرج كونها عاقبته على خطأ يحرج الجميع،
ولربما لا تمتلك إلا تلك الطريقة ،كونها تؤدي،
دائ ًما ،بفعل العادة ،معناها الإشاري ،ولم تفكر يو ًما
في أنها ستصير مؤش ًرا يتجاوز المعنى الأحادي
والوحيد إلى معان أخرى محتملة .أما عقاب الأب،
الذي لم يكن صامتًا ،فيؤشر على نفاذ الصبر ،كونه
العقاب الذي يؤدي معناه الإشاري من دون أن
يترك أي مجال للتأويل للذات .كما أن سياق هذا
العقاب يفيد أنه عقاب لمضمون الحكي عن طريق
زجر الذات ،وليس عقا ًبا للذات في حقيقة الأمر.
-العلاقة الموجودة هي بين ابن وأبوين .طاعة
الابن للأبوين تسمى ب ًّرا وعصيانهما يسمى عقو ًقا.
لا يتعلق الأمر ،في العمق ،بالطاعة والعصيان،