Page 68 - m
P. 68
العـدد 57 66
سبتمبر ٢٠٢3
التمييز بين الذاتين المعا ًقبتين« :كنت حان ًقا على خصو ًصا في عقاب الأم ،وإنما يتعلق بسوء تأويل
المدير الذي لم يضربه وضربني ،ربما لأن والده العقاب وحسن تأويله .إن سوء تأويل العقاب
مدير مكتب ،وأبي مجرد تاجر متوسط»(.)28 تم فهمه من طرف الأم بوصفه عصيا ًنا .لذلك
ترى ما قصة الورقة التي بسببها كان العقاب؟ كررت فعل القرص كأنها تقول له :أنا أقصد كذا
ورقة كتب عليها« :أحبك يا أمل ،وأتمنى أن تكوني
صاحبتي»( .)29ثم دست في دفتر أمل .قصة أشبه ولا أقصد كذا .ومن ثم ،فإن فهم الإشارات ذات
بالقصص البوليسية ،لعب فيها المدير دور المحقق، المعنى الواحد والوحيد يشكل ،وف ًقا لما سبق ،طاعة
وكانت فيها «أمل» الضحية ،أما المتهمون فكانوا كثر
(معلم العربية -المعلمون المتدربون -التلميذان) .من للمعنى وخضو ًعا له وب ًّرا به ،بينما يشكل تأويلها
المعلوم أنه لكي يصل المحقق إلى نتائج متقدمة في كمؤشرات ،لا كإشارات قصدية تنقل حالة الوعي
تحقيقه ينبغي ألا يكون كلامه ملتب ًسا .أين دست
الورقة؟ في الدفتر أم في المحفظة؟ المدير ،الذي الخاصة بالمرسل ،عصيا ًنا للمعنى وعقو ًقا له.
يحقق في القضية ،يبدو أنه لا يعرف ،بالضبط،
أين دست الورقة .تارة يقول الدفتر وتارة أخرى عقاب المدير:
يقول المحفظة .لنرجع إلى النص .عندما وجه الاتهام
للتلميذين م ًعا ،قال« :من منكما وضع ورقة في «وبعد ساعة دخل المدير ،دون استئذان ،وطلبني
دفتر أمل؟» ،وعندما وجه الاتهام للتلميذ الثاني وطلب التلميذ الذي يجلس إلى جوار أمل .لم
ندر لماذا ،وأصابنا فرق شديد ،كنا نمضي إلى
قال« :لماذا وضعت الورقة في محفظتها؟». مكتب المدير نجر خطواتنا .وحين دخلنا ،في
كان من الأجدر أن يرد التلميذ سائ ًل :في الدفتر
أم في المحفظة يا أستاذ؟ غالبًا ما يأتي كلام المتَّهم أثره ،مكتبه بدا غاض ًبا ج ًّدا .كان يضع نظارتيه
ملتب ًسا ،لكن ،في هذه الحالة ،كلام المحقق هو الذي ويخلعهما بشكل متسارع ،وهو قابض على
جاء ملتب ًسا .لقد كان العقاب ،في أول الأمر ،نتيجة
لتهمة يشوبها الالتباس .غير أنه من الممكن أن يكون مسطرة حديدية طويلة يلوح بها ،فتحدث ص ًدى
إيها ًما بعدم المعرفة من قبل المحقق .وهكذا ،سيصير في قلبينا الوجلين .أجلسنا في مقعدين بعيدين
سؤال التلميذ من مؤشر دال على حسن الانتباه
والتفطن لما يقال إلى دليل ضده يثبت معرفته بالمكان عن مكتبه ،ووضع رجله على واحد منها ،وسألنا
من منكما وضع ورقة في دفتر أمل .فأنكرنا ،فنهر
الذي دست فيه الورقة.
لنعد إلى ما كتب على الورقة .إن الذي كتب الرسالة التلميذ قائ ًل« :أنت تجلس إلى جانبها ،أنت من
دس الورقة» ،فأخذ يبكي ويقسم ،فانتقل إل َّي
يتمنى ولا يرجو .حدد البلاغيون فر ًقا واض ًحا
بين التمني والرجاء .التمني طلب شيء يستحيل قائ ًل« :وأنت الذي يسير إلى جانبها كل يوم لماذا
وقوعه ،أما الرجاء فهو طلب شيء قابل للتحقق. وضعت الورقة في محفظتها؟» ،فبكيت وأقسمت
هنالك عدة احتمالات .احتمال يرى أن الذي كتب
الرسالة يجهل الفرق بين الرجاء والتمني ،واحتمال بدوري ،فأردف« :وماذا تقول لها وأنتما في
آخر يرى أنه يعي الفرق ولكن يريد أن يوهم المتلقي الطريق؟» ،وأجبت« :لا شيء» فصفعني بقوة
بجهله ،واحتمال يقول إنه يعي الفرق بينهما ويعي، وغل حتى ارتطمت بزميلي ،وأردف غاض ًبا« :كل
من ثم ،استحالة أن تكون أمل صاحبته كما قال. يوم ترافقها أيها الزنديق وتقول لا شيء» .ثم
هكذا ،يظهر أن الرسالة في ذاتها ،التي كانت سببًا في طلب م َّنا مد يدينا مهد ًدا باستمراره في الضرب
العقاب ،لا تخلو من الالتباس. حتى يعترف أحدنا»(.)27
فيم تكمن ازدواجية العقاب؟ أو لنتساءل بطريقة
أخرى :فيم تكمن ازدواجية الضرب؟ بخلاف
الحالتين السابقتين ،اللتين افترضتا وجود ذاتين
تعاقبان ذا ًتا واحدة ،توجد ،في هذه الحالة ،ذات
معا ِقبة واحدة (المدير) وذاتان معا َق َبتان .على الرغم
من ذلك ،لم يكن العقاب متكافئًا ،بل لا توجد إدانة
واضحة لتبرره وتضفي كامل الشرعية عليه .من
ثم ،فهو يطرح نو ًعا من الأفضلية ،التي تقتضي