Page 64 - m
P. 64
للبحر خصائصه المميزة :الاتساع، الذي يكا ِفئ أو يعا ِقب غال ًبا ما يكون
الامتداد ،الانفتاح ،الملوحة ،الحركة. في مرتبة أعلى من ذاك الذي ُي َكافأ
وعلى التوالي ،للبركة خصائصها أو ُي َعاقب .أو لنقل :إنه يمتلك سلطة
المميزة :الضيق ،المحدودية ،الانغلاق، تمنحه إمكانية الجزاء سواء أكان
العذوبة ،السكون .الافتراض الذي
لا يدحضه النص ،ولا يثبته بشكل عقا ًبا أم مكافأة .ترتبط المكافأة
صريح في الآن ذاته ،هو أن الذات لا بفعل شيء ما يعود بالنفع إما على
تخاف البحار مثلما تخاف البرك .من
ثم ،يمكن أن نحصل على التعارض الذات 1أو على الذات 2أو عليهما
الآتي :بحر /أمان مقابل بركة/ م ًعا .أما العقاب فيرتبط بانتهاك
خوف.
في ألف ليلة وليلة يختلف الأمر، محرم ما أو خرق قانون ما ،أو ارتكاب
وتحدي ًدا في قصة الصياد والعفريت. خطأ أو جريمة أو ذنب .ولذلك ،غال ًبا ما
إن الصياد ،كالب َّحار ،ملازم للبحر. يرتبط بضرر يعود عليهما..
والبحر ،بصفته فضا ًء مائيًّا واس ًعا
وعمي ًقا ج ًّدا ،يشكل مصدر رزق لكل
صياد وملعبًا ومملكة لكل ب َّحار.
لكن ،في قصة الليالي ،لم يجد الصياد
في البحر سوى ما يبدد أمنه ويديم إلى الذات إلا ناد ًرا .بالمقابل ،يعاش رهاب الأصص
عليه فقره .بالمقابل ،لم يجد في البركة سوى ما يوميًّا .إنه لصيق بالذات وملازم لها ،لأنه في كل
يوم نخرج من منازلنا ونجد أنفسنا نمشي على
يمنحه الثراء والأمان .على هذا الأساس ،نحصل على الأرصفة تحت النوافذ والشرفات .لهذا السبب ،فهي
تعارض مضاد :بحر /خوف مقابل بركة /أمن. لا تستطيع التخلص منه ،بل تجد نفسها تبحث عنه،
كأنه شيء ضروري ،ليس رغبة فيه ،إنما توج ًسا
«فضحك العفريت ومشى قدامه وقال :أيها الصياد منه .من ثم ،يصير الحرص على الحياة ،أو السلامة،
اتبعني ،فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق
ملاز ًما للذات.
بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على
جبل ونزلا إلى برية متسعة ،وإذا في وسطها بركة
ماء ،فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح لا توجد في النص إشارات واضحة تنبئ عن تخلص
الذات من رهاب الماء ،كأن تتعلم السباحة مث ًل( .كم
الشبكة ويصطاد ،فنظر الصياد إلى البركة ،وإذا
فيها السمك ألوا ًنا منها الأبيض والأحمر والأزرق شخص تعلم السباحة بعد نجاته من حادث غرق.
والأصفر فتعجب الصياد من ذلك .ثم إنه طرح
فكان هذا الغرق محف ًزا وسببًا في الشجاعة والإقدام شبكته فوجد فيها أربع سمكات ،كل سمكة بلون،
فقال له العفريت :ادخل بها إلى السلطان وقدمها ومواجهة الموت بدل الخوف والجبن منه) .وهل
إليه فإنه يعطيك ما يغنيك»(.)12 تخاف الذات البحار كما تخاف البرك والسدود
في (حكاية ب َّحار) لا خوف ولا أمن من البحر. والأنهار ،وهي التي ،بناء على التصريح السابق،
بل تراجع ووداع ،وانفصال عن الماء ،ليس خو ًفا قطنت بالمحمدية الواقعة ،جغرافيًّا ،في الواجهة
الأطلسية؟ لا توجد إشارة تنبئ بذلك .على هذا
ورهبة وإنما تعبًا ،إنه انفصال جاء بعد اتصال دام الأساس ،يطرح رهاب الماء التبا ًسا.
أعوا ًما .قال سعيد «ودا ًعا أيها البحر [ ]..عليَّ أن
يدعونا هذا الالتباس إلى التفكير في التعارض
أودعه كبحار .لقد انتهى كل شيء الآن .لم يعد الماء
ملعبي ومملكتي .كابرت كثي ًرا ورفضت تقبل هذه الموجود بين فضاءين مائيين هما :البحر والبركة.