Page 133 - m
P. 133

‫نون النسوة ‪1 3 1‬‬

‫فإنها تتخذ (المنبر مكا ًنا لإعلانها)‪ ،‬لنكتشف أن‬      ‫ومعبرة لهذه الدائرة التي تتسع لتضيق (ستلوذ‬

‫خروجها هنا هو خروج عن دائرتهم‪ ،‬هو خروج‬               ‫بالصمت؛ بل بما يلائم دائرتها الضيقة على‬

‫عليهم (هم)‪ ،‬هو إعلان وتعرية لزيف يمارسونه‬                                                     ‫اتساعها)‪:‬‬

‫ليل نهار‪ ،‬وقد تحقق هذا عبر بنية القصيدة التي‬                ‫مرا ٍت‬  ‫جي ًدا‬     ‫دقق ُت النظ َر‬
                                                                    ‫كتب ُت‬     ‫ورا َجع ُت ما‬
‫اتخذت من مفارقات متتالية ومكثفة وصادمة أداة‬          ‫ومرات‬

‫لتعرية الزيف‪ ،‬تبدأ بدائرة الآخر الضيقة في محيط‬                                                ‫ثم‪..‬‬
‫الذات وتتسع لتشمل المجتمع بأسره ممث ًل في‬                   ‫أجري ُت تعدي ًل بسي ًطا‬
                                                     ‫«صباح الخير يا أصدقائي‪ ..‬جمع ٌة مبا َركة»‬
‫أقوى سلطاته تأثي ًرا وقبضة‪ ،‬حيث السلطة الدينية‬                           ‫وقم ُت بالنشر!‬
                  ‫والاجتماعية‪:‬‬
‫أالكلطرميي ُقرا ِمَثنأ ِّمحيذائه‬
                                  ‫الذي‬  ‫خالي‬         ‫الآخر هو (كم) الضمير الذي تكرر ثلاث مرات‬
                                  ‫يأكل‬  ‫بينما‬
                  ‫خم َس مرا ٍت في اليوم‬              ‫مقتر ًنا بوسائل فعل قوية في تأثيرها؛ هو مجتمع‬
                                                     ‫يتسلط بقرارات‪ ،‬ويحاكم بأفعال‪ ،‬وينبذ بكلمات‪ ،‬هو‬

                  ‫هتف بصوت خطابي‪:‬‬                    ‫من ُتبنى قصيدة بأكملها بنية تساؤلية حول آثاره‬

                                  ‫ارجموه!‬            ‫التي يحدثها بطرق متعددة‪ ،‬فالقصيدة سؤال حائر‬

     ‫إما ُم المسجد نه َرني‬                           ‫ُتسائل فيه الذات نفسها حول كيفية مواجهته‪:‬‬
‫ونزع من يدي الميكرفون‬                                                   ‫لماذا لم يكن قلبي خ ِش ًنا‬
                                                                    ‫تحت ُّك به أظا ُفركم‬
‫إمام المسجد الذي قطع صلاته يو ًما‬                                                             ‫وألسن ُتكم‬
‫حين مرت أمامه امرأة تبيع ثيابها وتصرخ‪:‬‬
                                                                               ‫وقرارا ُتكم‬
              ‫طفلي جائ ٌع‬                                                      ‫فيدميها كلَّها‬
          ‫وقال لل ُمصلِّين‪:‬‬                                         ‫ويبقى هو ضاح ًكا‬
‫تبط ُل الصلاة إن م َر أما َمك‬                                   ‫لا تخم ُش عينيه دمع ٌة‬
                                                     ‫ولا صرخ ٌة تلو ُث انسياب الشغ ِف‬
              ‫كل ٌب أسود‬
                                  ‫أو حما ٌر‬
                                  ‫أو امرأة‬           ‫على صدره المبتل؟ (ص‪)62‬‬

‫عمي الذي ألقى بزوجته وبناته في الشارع‬                ‫ولقد كان سبيلها في اكتشاف ذاتها وامتلاك قدراتها‬
‫ليتزوج من فتا ٍة صغيرة‬
                                                     ‫وتحققها هي هذه التمثيلات الزائفة للآخر بضيقه‬

                        ‫تنج ُب له ذك ًرا‬             ‫واتساعه التي نجحت في تعريتها والتوصل إليها؛‬
‫قذفني بهاتفه الجوال واستعا َذ بالله مني‬              ‫بل والتعامل معها بتعا ٍل وازدراء وعدم اكتراث‪:‬‬

‫بينما الشاب الذي تستصر ُخ أمه الجيران‬                ‫أنا صبأ ُت‬
                                  ‫كل مساء‬            ‫تقدم ُت نحو المنبر‬
                                                     ‫وقل ُتها بعل ِّو صوتي‬
                  ‫لينقذوها من بين يديه‬                 ‫فانت َبه الحا ِضرون‬

                                  ‫أبا َح دمي‬         ‫بعضهم تمت َم مستغ ِف ًرا‬
                  ‫وخر َج من المسجد‬
‫يحمله الشبا ُب على أكتافهم ويهتفون‬                                        ‫وآخرون قاموا‬
           ‫هذا الشاعر الزندي ُق َص َبأ‬               ‫بينما بقي ره ٌط ينت ِظر ما يف ِّسر قولي‬
‫وحدها الإنسانية كانت الجوهر والحقيقة والمنقذ‬         ‫وكما أن الزيف هو الوجه الجلي‬

‫الذي يمد يده م ًّدا صاد ًقا مان ًحا الحياة‪ ،‬إنسانية‬  ‫للتناقض؛ فالقصيدة تتخذ من المفارقة‬

‫طفل لم يكترث إليه سوى إنسانية ذات شاعرة‬              ‫والتناقضات بنية لها‪ ،‬فبينما الذات‬

‫ينالها ما ينالها من سهام الزيف‪ ،‬ووحدها الإنسانية‬     ‫ستعلن جاهرة أنها صبأت (خرجت عن الملة)‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138