Page 18 - m
P. 18

‫العـدد ‪58‬‬                                   ‫‪16‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫فقال‪ :‬لو كان المُ ْم ِل من هذيل‪ ،‬والكاتب من‬          ‫بن سيرين‪ ،‬عن ُكثير بن أفلح‪ ،‬قال‪ :‬لما أراد‬
  ‫ثقيف‪ ،‬لم يوجد فيه هذا”‪ .‬وهو يعني أن‬                   ‫عثمان أن يكتب المصاحف‪ ،‬جمع له اثني‬

‫أي شخص من هذيل أفصح من سعيد‪ ،‬وأي‬                     ‫عشر رج ًل من قريش والأنصار‪ ،‬فيهم أُ َب ُّي‬
‫شخص من ثقيف أكتب من زيد! وهكذا ترى‬                      ‫بن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬قال‪ :‬فبعثوا إلى‬
                                                       ‫الربعة التي في بيت عمر‪ ،‬فجيء بها‪ ،‬قال‪:‬‬
   ‫أن الروايات تناقض بعضها حتى لا تعلم‬                ‫وكان عثمان يتعاهدهم‪ ،‬فكانوا إذا تدارءوا‬
                               ‫أيها أصح‪.‬‬
                                                     ‫في شيء أ َّخروه‪ .‬وهذه الرواية لها أكثر من‬
‫الرواية السابقة تقول إن لجنة عثمان لم تكن‬                                            ‫طريق”‪.‬‬
    ‫مهمتها النسخ فقط كما ورد وإنما إعادة‬
   ‫الجمع‪ ،‬وإلا ما وقف على المنبر وطلب من‬               ‫كما ليس صحي ًحا بالكامل أن اللجنة كان‬
    ‫الناس أن يأتوه بما لديهم‪ ،‬بعدما (سمع‬            ‫مهمتها فقط نسخ الصحف التي سبق جمعها‬
       ‫قراءة أُبي وعبد الله ومعاذ)‪ ،‬وبالتالي‬         ‫في عهد أبي بكر‪ ،‬ففي المصدر السابق نفسه‬
                                                    ‫ص‪ 210 /209‬ثمة دليل على أن عثمان أعاد‬
  ‫ُي ْس َت َش ُّف أنه وج َد اختلافات بين القراءات‪،‬‬
     ‫والأهم أن الناس جعلوا يأتونه باللوح‪،‬‬               ‫جمع الصحائف من جديد‪ ،‬وأنه استعان‬
                                                         ‫بسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقط‬
‫والكتف والعسب فيه الكتاب‪ ،‬وأنه قبله منهم‬            ‫للنسخ‪ :‬حدثنا عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل‬
‫بسؤال واحد «أنت سمعت من رسول الله؟»‪،‬‬                  ‫بن عبد الله بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‬
                                                     ‫يعني ابن يعلي بن الحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أُبي‪،‬‬
  ‫دون شهود أو اتفاق بين أكثر من مصدر‪،‬‬                    ‫قال‪ :‬حدثنا غيلان‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن‬
‫أو على الأقل تبدو الرواية متسامحة في قبول‬              ‫مصعب بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬سمع عثمان قراءة‬
‫النصوص‪ ،‬بالقياس إلى الجمع الأول الذي لم‬             ‫أُبي وعبد الله ومعاذ‪ ،‬فخطب الناس‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
                                                        ‫إنما قبض نبيكم منذ خمسة عشر سنة‪،‬‬
             ‫ُتقبل فيه الآيات إلا بشاهدين‪.‬‬           ‫وقد اختلفتم في القرآن‪ ،‬عزمت على من عنده‬
  ‫ما أريد أن أقوله –في الختام‪ -‬من استقراء‬              ‫شيء من القرآن سمعه من رسول الله لما‬
  ‫الروايات وتمحيصها‪ ،‬إن إحكام النص‪ ،‬أو‬              ‫أتاني به‪ .‬فجعل الرجل يأتيه باللوح‪ ،‬والكتف‬
                                                      ‫والعسب فيه الكتاب‪ ،‬فمن أتاه بشيء‪ ،‬قال‪:‬‬
     ‫إغلاقه‪ ،‬باعتباره كتا ًبا كتبه الله بنفسه‪،‬‬          ‫أنت سمعت من رسول الله؟ ثم قال‪ :‬أي‬
     ‫واختار له الصادق الأمين ليتلقاه ‪-‬عن‬              ‫الناس أفصح؟ قالوا‪ :‬سعيد بن العاص‪ ،‬ثم‬
  ‫طريق جبريل‪ -‬ليبلغه للناس‪ ،‬كان يستلزم‬                ‫قال‪ :‬أي الناس أكتب؟ قالوا‪ :‬زيد بن ثابت‪،‬‬
 ‫أن يحتفظ النبي بنسخة منه لنفسه‪ ،‬يدققها‬
  ‫ويراجعها بحيث تطابق الوحي الذي تلقاه‪،‬‬                          ‫قال‪ :‬فليكتب زيد وليمل سعيد‪.‬‬
  ‫بحيث يأخذه الناس من بعده كام ًل مك َّم ًل‬            ‫“سعيد” الذي قصده عثمان بن عفان هو‬
‫مغل ًقا‪ ،‬لا يحتاجون لوضع أيديهم فيه‪ ،‬سواء‬              ‫سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن‬
‫بالجمع أو الترتيب (الآيات والسور داخلها)‪،‬‬              ‫أمية بن عبد شمس القرشي‪ ،‬وهو أفصح‬
      ‫لكن الروايات (جميعها‪ ،‬وعلى درجاتها‬               ‫الناس كما ذكر في الرواية السابقة‪ ..‬وزيد‬
   ‫واختلافاتها) ُتج ِمع على أن هذا لم يحدث‪،‬‬             ‫هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري‬
  ‫وأن اكتمال النص على الشكل المتداول الآن‬            ‫وهو (أكتب الناس)‪ ،‬وهذه رواية تناقض ما‬
 ‫تم بتدخل بشري‪ ،‬وأي عمل بشري يحتمل‬                    ‫ورد في كتاب المصاحف (ص‪– )230‬سبق‬
     ‫نسبة خطأ‪ ،‬قد لا تكون موجودة‪ ،‬لكنها‬                 ‫ذكره‪ -‬يقول‪« :‬عن الزبير بن خريت‪ ،‬عن‬
    ‫محتملة‪ ،‬ولا يستطيع أحد –بالرجوع إلى‬                ‫عكرمة الطائي‪ ،‬قال‪ :‬لما أتى عثمان رضي‬
‫الكتب‪ -‬نفيها أو إثباتها‪ ..‬وأنا هنا أتحدث عن‬         ‫الله عنه بالمصحف رأى فيه شي ًئا من لحن‪،‬‬
   ‫مرحلة الجمع والنسخ فقط‪ ،‬ولم أصل إلى‬
  ‫ما بعد ذلك من تنقيط وتشكيل‪ ،‬واستخدام‬

                        ‫القرآن في الحروب‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23