Page 22 - m
P. 22
العـدد 58 20
أكتوبر ٢٠٢3
المتعلق بسير الأنبياء ،وهي السير المتعلقة بسيرة يختلف الكتاب عن الكتابة «العلمية» في مجال
الدين نفسه؛ ذلك أن كل حدث تاريخي في سيرة التاريخ بصفة عامة ،من حيث الاهتمام بتوثيق
أحد الأنبياء -عليهم السلام -هو عنصر بنائي المصادر التاريخية ،وبخاصة إذا كانت هذه الكتابة
موقوت له حكمة إلهية ،وأي خلل في هذه النسق
الكرونولوجي سيؤدي بالضرورة إلى خلل في المنتج تستهدف تقديم رؤية مغايرة عما هو سائد
كما مهد حمدي أبو جليل لرؤيته (أو روايته)
القرائي. في العنوان الفرعي للكتاب من خلال استخدامه
تبقى إشكالية أخرى في منهجية هذا الكتاب ،وهي لوصف «أخرى»؛ ومن ناحية ثانية ،يختلف أسلوب
تؤشر على خلل معرفي يجعل كفة تصنيف الكتاب الكتاب عن الكتابة الروائية «الإبداعية» ،فالمؤلف
يعمد إلى مواجهة القارئ بأسلوب يشتبه كثي ًرا مع
أرجح لصالح التصنيف الإبداعي؛ وهي غياب الكتابة التاريخية على الرغم من كونه يعتمد على
المصطلح الملازم لمصطلح «الرواية» في علوم الحديث تقنيات روائية .ونود هنا أن نفرق بين مصطلحي
«الأسلوب» و»التقنيات» في العبارة السابقة ،إذ
الشريف عن الكتاب ،وهو مصطلح «الدراية» نقصد بالأسلوب ما يتعلق بالأداء اللغوي على
فض ًل عن غياب مفهومه وأدواته عند المؤلف. مستوى الجمل والفقرات المفردة ،أما التقنيات
مما لا شك فيه أن الحديث النبوي الشريف يعد فنقصد بها الخصائص البنيوية التي تضبط النسق
أحد أوائل النصوص المروية التي حظيت بعناية
خاصة في الثقافة العربية ،ومن المؤكد أن «السيرة الكلي للنص.
النبوية» وهي مصطلح يشتبك مع نمط من الكتابة يعتمد ،إذن ،حمدي أبو جليل -رحمه الله -على
الإبداعية السردية «السيرة» لم يكن يخلو من بعض أسلوب لغوي يشتبه مع التاريخي ،من حيث البراءة
الإضافات من قبل الرواة؛ ونظ ًرا للخصوصية الدلالية التي تبدو على سطح المفردات ،إذ قلما ما
الشديدة لهذه السيرة النبوية التي تتعلق بحياة يلجأ إلى التعبيرات البلاغية أو البيانية أو التي
الشخصية الأهم في الدين الإسلامي ،فإن علماء تشتبه مع النصوص الأدبية ،فجاء أسلوبه اللغوي
محاي ًدا إلى حد كبير .في المقابل ،يوظف حمدي
المسلمين سارعوا إلى اقتراح مجموعات من أبو جليل تقنيات السرد الروائي وخصائصه في
المعارف التي يتطلبها تدقيق هذه السيرة وحفظها البناء الكلي للكتاب ،إذ يعتمد على التوازي في رواية
من التحريف والوضع ،من هذه العلوم كان «علم الأحداث بين خطين؛ أحدهما يتعلق بقضية الحكم
رواية الحديث الشريف» ،وصنوه «علم الدراية»؛ والخلافة بعد وفاة النبي الكريم (ص) ،والثاني
يخص علاقة النبي (ص) بزوجاته أمهات المؤمنين
أما «الرواية» في اصطلاح المح ِّدثين فهي «نقل رضي الله عنهن .وفي إطار هذا النمط في رواية
الحديث وإسناده إلى من عزى أي ُنسب إليه بصيغة الأحداث يوظف تقنيات القطع الزمني في رواية
أحداث ك ٍّل من الموضوعين السابقين ،فنجده يلجأ
من صيغ الأداء ،كحدثنا وأخبرنا وسمعت وعن إلى تقنيات الاسترجاع Flashbackوالاستباق
ونحوها»( ،)4والرواية وف ًقا لهذا المفهوم تقتضي
ركنين :التحمل والأداء ،ولها طرق وشروط؛ وشرط ،Flashforwardوبخاصة فيما يخص سيرة
الرواية «تحمل راويها لما يرويه بطريق من طرق النبي (ص) المتعلقة بعلاقته بزوجاته رضي الله
التحمل المعتبرة عند أئمة النقل ،وهي إما سماع من عنهن؛ وهنا يبدو الأمر إشكاليًّا ،فهذا النمط يؤدي
الراوي عن المروي عنه ،أو قراءة عليه وعرض ،أو
إجازة ،أو مناولة ،أو مكاتبة ،أو إعلام ،أو وصية، بالضرورة إلى اختلاف ناتج القراءة للأحداث
أو وجادة»()5؛ أما «علم دراية الحديث» فهو «علم التاريخية حسب التصرف في النسق الكرونولوجي
بأصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة الصحيح (التسلسل الزمني) للأحداث؛ ونزعم أن هذا النمط
والحسن والضعيف ،وأقسام كل منها ،وما يتصل
بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها من التقنيات ،إن كان جائ ًزا في السرد التاريخي
وحال الرواة وشروطهم ،والجرح والتعديل وتاريخ بصفة عامة ،فإنه قد يكون غير ملائم للسرد
الرواة ومواليدهم ووفياتهم ،والناسخ والمنسوخ