Page 25 - m
P. 25

‫‪23‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫(ص) من كتابة وصيته؛ ومنها أنه أشفق أن يشق‬        ‫أن نتساءل؛ هل كان الصحابة سيقبلون من عمر‬
   ‫على النبي (ص) في مرضه الأخير‪ ،‬وبخاصة أن‬
   ‫ابن عباس يتفق مع عمر في أن النبي (ص) كان‬       ‫رضي الله عنه أن يهزأ بالنبي فيتهمه بأنه يهرف؟‬
   ‫في حالة من اشتداد الوجع عليه؛ إذ يقول في أول‬
   ‫حديثه «لما اشتد بالنبي (ص) وجعه»؛ ومنها أن‬     ‫أم كان سيرده أحدهم؟ وهل كان النبي وقد اشتد‬
   ‫النبي (ص) وهو في مرضه الأخير طلب أن يملي‬
  ‫كتابه‪ ،‬ولكن اشتدت عليه نوبة من نوبات الوجع‪،‬‬     ‫الشريف‬    ‫قاد ًرا على أن يصرخ فيهم؟‬  ‫عليه الوجع‬
                                                          ‫ما رواه ابن عباس في الحديث‬   ‫ثال ًثا‪ :‬نص‬
  ‫فقال عمر وهو يريد أن يصرف الصحابة حتى لا‬
‫يثقلوا على الرسول (ص) «غلبه الوجع‪ ،‬عندنا كتاب‬     ‫نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جمي ًعا‬
 ‫الله حسبنا»‪ ،‬لكن بعض الصحابة تنازعوا مع عمر‬      ‫أن سيدنا عمر قال «إن النبي غلبه الوجع‪ ،‬وعندنا‬
‫كيف يمكن ألا يطيعوا رسول الله (ص)‪ ،‬فأقر النبي‬
                                                  ‫كتاب الله حسبنا»‪ ،‬وهو نص يقبل التأويل على أكثر‬
           ‫(ص) رأي عمر وصرفهم عن حجرته‪.‬‬
   ‫هكذا يمكننا قراءة نص الحديث الذي استدل به‬              ‫من جهة‪ :‬منها أن عمر‬
‫حمدي أبو جليل اعتما ًدا على فهمنا فقط لظاهر نص‬
  ‫الحديث‪ ،‬واعتما ًدا على تخيلنا لسياق الحدث فقط‪،‬‬          ‫رضي الله عنه رفض‬
‫دون الاعتماد على مرويات أخرى‪ .‬أما إذا ما اعتمدنا‬          ‫أن يم ِّكن الرسول‬
 ‫الخطوات المنهجية التي أقرها علماء الحديث‪،‬‬
‫فبدأنا بجمع الروايات الصحيحة المتعلقة‬
‫بهذه المسألة فسنجد أن هذا الموقف‬
 ‫روي في صحيح البخاري بأكثر‬
    ‫من طريق وفي أكثر من باب‪،‬‬

     ‫منها ما جاء في باب «مرض‬
     ‫النبي (ص) ووفاته»‪ :‬حدثنا‬
  ‫قتيبة‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن سليمان‬
  ‫الأحول‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال‪:‬‬
    ‫قال ابن عباس‪« :‬يوم الخميس‪،‬‬
  ‫وما يوم الخميس؟ اشتد برسول‬
   ‫الله (ص) وجعه‪ ،‬فقال‪ :‬ائتوني‬
   ‫أكتب لكم كتا ًبا لن تضلوا بعده‬
‫أب ًدا‪ ،‬فتنازعوا‪ ،‬ولا ينبغي عند نبي‬
   ‫تنازع‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما شأ ُنه‪ ،‬أهج َر‪،‬‬
     ‫ا ْس َت ْف ِه ُمو ُه؟ فذهبوا ي ُر ُّدون‬
   ‫عليه‪ ،‬فقال‪ :‬دعوني‪ ،‬فالذي‬
    ‫أنا فيه خي ٌر مما تدعوني‬
 ‫إليه‪ ،‬وأوصاهم بثلا ٍث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخرجوا المشركين من جزيرة‬
 ‫العرب‪ ،‬وأجيزوا الوفد بنحو‬
‫ما كنت أجيزهم‪ ،‬وسكت عن‬
   ‫الثالثة‪ ،‬أو قال‪ :‬فنسيتها»‪.‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30