Page 21 - m
P. 21
19 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
أن القارئ للكتاب يتأرجح في تصنيفه للكتاب بين لهذه الروايات؟ ومن ثم هل تتطلب هذه القراءة
الحقلين المعرفيين وما يشيران إليه من فنين أو منهجية للتأويل وضوابط تضبط إجراءاتها؟
علمين .أما العنوان الرئيس للكتاب «نحن ضحايا
يضعنا كتاب «نحن ضحايا عك :رواية أخرى في
عك» فهو إشكالي أي ًضا بامتياز ،وهو عنوان يعتمد، التاريخ الإسلامي» للأديب المصري الراحل حمدي
أو ًل ،على التوازي الإيقاعي مع التلبية الجاهلية: أبو جليل في قلب هذه الإشكاليات السابقة؛ وبشكل
«نحن غرابا عك» والتي وردت في الأثر أنها كانت عام يتصدى الكتاب إلى سرديتين شائكتين في
التلبية الخاصة بقبيلة عك اليمنية والتي تقول: التاريخ الإسلامي؛ الأولى تتعلق بالجدل حول
خلافة الرسول الكريم (ص) بعد وفاته وما ترتب
«نحن غرابا عك ،ع ٌّك إليك عانية ،عبادك اليمانية، على ذلك من إشكاليات في مفهوم الخلافة والحكم
كيما نحج الثانية»(.)2 حتى يومنا هذا ،والثانية تتعلق بزوجات النبي
(ص) .إن قراء ًة ما للتاريخ تهدف إلى تقديم وجهة
ويعتمد هذا العنوان ،ثانيًا ،على حالة التداعي التي نظر حول هذا التاريخ وسردياته تقتضي تفكي ًكا
تثير بعض دلالات السخرية بسبب انتشار هذه لهذه القراءة ونقدها على مستويات عدة ،منها ما
يخص منطلقات القراءة ،ومنها ما يخص منهجية
التلبية في المجتمع المصري بسبب ورودها في أحد القراءة وأسلوبها ،ومنها ما يخص محتوى هذه
الأفلام السينمائية؛ ويعتمد ،ثالثًا ،على الإزاحة القراءة ونتائجها .وعلى هذا الأساس ينبني تفكيكنا
بفضل استبدال كلمة «ضحايا» بكلمة «غرابا» لرؤية حمدي أبو جليل (أو روايته ولا فرق)
للتاريخ الإسلامي في كتابه «نحن ضحايا عك:
بشكل يزيح دلالات مفردة «عك» عن مفهومها في
التلبية بوصفها دالة على تلك القبيلة اليمنية إلى رواية أخرى للتاريخ الإسلامي».
مفهوم «العك» في التعبير الشعبي المصري؛ بشكل -1عنوان الكتاب ومنطلقات قراءة
يكرس دلالات وقوعنا «نحن» ضحايا لمجموعة التاريخ
من الأفعال في التاريخ الإسلامي يرى المؤلف أنها مثل كل مفردة لغوية ،تلعب مفردات عنوان كتاب
بمثابة «العك»( .)3وعلى الرغم من أن العنوان الرئيس حمدي أبو جليل أدوار دلالية عدة ،منها ما يستند
إلى الإحالة الرمزية ،ومنها ما يستند إلى التداعي
«نحن ضحايا عك» كان اقترا ًحا من ناشر الكتاب
كما يشير إلى ذلك المؤلف ،فإن موافقته على هذا الدلالي ،ومنها ما يؤشر على موضوع الكتاب
الاقتراح يؤكد قناعته بدلالاته ،وهو أمر لم ينكره ومحتواه .وفيما يشير العنوان الفرعي للكتاب على
بل ص َّرح به إلى أحد مواقع الصحافة الإلكترونية موضوعه «التاريخ الإسلامي» فإن ثمة مفردتان
قائ ًل« :اقترح صديقى الدكتور عاطف عبيد صاحب تحيلان إلى خصوصية تناول هذا الموضوع ،وهما
دار بتانة أن يكون اسم الكتاب هكذا ،بدا لى مناسبًا
لحالتنا ،نحن فعلا ضحايا حالة كبيرة من العك «رواية أخرى» ،ومصطلح «الرواية» مصطلح
التى انتهت بنا إلى ما نحن فيه الآن .العنوان أي ًضا إشكالي في هذا العنوان ،نظ ًرا لتنازعه بين حقلين
يحتمل أكثر من تأويل ،هذا أمر أحبه» .وتقودنا هذه
الدلالات التي يكتنزها عنوان الكتاب إلى المستوى معرفيين حاضرين بقوة في هذا الكتاب؛ الأول
الثاني من مستويات تفكيك قراءة حمدي أبو جليل «الرواية» بمفهومها الفني والجمالي ،وهو مفهوم
وروايته للتاريخ الإسلامي ،وهي المتعلقة بمنهجية مركزي في قراءتنا للكتاب باعتبار صنعة مؤلفه،
هذه القراءة. والثاني «الرواية» بمفهومها في علوم الحديث
الشريف ،وهو أي ًضا مفهوم مركزي باعتبار
-2منهجية حمدي أبو جليل في قراءة موضوع الكتاب وما يعتمد عليه من «روايات»
التاريخ الإسلامي متناثرة من كتب الصحيح والمأثور .وحقيقة الأمر
اختلفت منهجية كتاب «نحن ضحايا عك» عما هو
سائد في الكتابات التاريخية؛ فمن ناحية أولى،