Page 238 - m
P. 238

‫العـدد ‪58‬‬                           ‫‪236‬‬

                                ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫ولا سبيل لحضارة إليهم‬
                                                                    ‫إلا إذا أخضعوا لهيمنة‬
          ‫الشرق المستغرب‪.‬‬           ‫الحرب قصد الكشف عن‬
 ‫وهذا ما أدركه مؤخ ًرا بعض‬          ‫الثروات المعدنية التي قد‬   ‫المسيحيين»‪ .‬ويتساءل بكامل‬
‫المستشرقين أمثال الإنجليزي‬      ‫تحتوي عليها الجزائر‪ ..‬جلبت‬       ‫الدهشة‪ ،‬كيف يمكن لمملكة‬
                                ‫انتباهي الفروق العديدة التي‬        ‫تونس أن تصبح لو آلت‬
     ‫(مايكل كاريدرس)‪ ،‬فقد‬        ‫تفرق بين الجنسين البربري‬          ‫إلى الأوروبيين من ذوي‬
   ‫أشار في كتابه (لماذا ينفرد‬     ‫والعربي‪ ،‬وتساءلت عندئ ٍذ‪:‬‬       ‫الخبرة والاجتهاد؟ إن في‬
                                    ‫كيف إزاء جنسين توجد‬           ‫وسع هذه البلاد الخصبة‬
       ‫الإنسان بالثقافة) إلى‬     ‫بينهما هذه الفروق نستطيع‬          ‫أن توفر العيش والنعمة‬
    ‫أنه «بات لزا ًما على علماء‬   ‫أن نتمادى أكثر في التصرف‬       ‫لستة أضعاف عدد سكانها‪،‬‬
 ‫الأنثروبولجيا والمستشرقين‬         ‫نحوهما تصر ًفا واح ًدا من‬
     ‫عمو ًما أن يعملوا للتغلب‬       ‫دون أن نفكر في النتائج؟‬    ‫وينتهي إلى التصريح برغبته‬
   ‫على افتراضاتهم هم وعلى‬          ‫أليس من واجبنا أن نبدي‬      ‫في حكم البلاد والعباد معلنًا‪:‬‬
    ‫حكمتهم التي اكتسبوها‪،‬‬           ‫شيئًا من التفضيل يكون‬
  ‫وعلى نظراتهم التي حددتها‬         ‫في صالح الجميع الغالبين‬       ‫«إنه ليس هناك مهمة أنبل‬
    ‫لهم ثقافاتهم‪ ،‬وذلك بغية‬          ‫منهم والمغلوبين؟ قاعدة‬     ‫وأجمل من تنصيبه من قبل‬
    ‫الوصول إلى فهم واضح‬            ‫سياسية يبدو أنها تعوزنا‬      ‫القوى الأوروبية إثر انهيار‬
  ‫قدر المستطاع لنظرة أولئك‬        ‫تما ًما»(‪ .)20‬وفيما بعد جرى‬  ‫الإمبراطورية العثمانية مل ًكا‬
   ‫الذين يتخذونهم موضو ًعا‬         ‫تفضيل البربر على العرب‪،‬‬     ‫على شمال أفريقيا من حدود‬
 ‫لدراستهم وأصبحت القاعدة‬         ‫وتم تأويل كل تاريخ المغرب‬
    ‫البديهية‪« :‬إذا كنا نقرأ في‬    ‫من الاستشراق على أساس‬          ‫المغرب الأقصى إلى حدود‬
     ‫نفوس الآخرين دوافعنا‬       ‫اغتصاب العرب لأرض كانت‬         ‫برقة‪ ،‬وذلك إشفا ًقا منها على‬
  ‫وفهمنا؛ فكيف لنا أن نفهم‬       ‫ذات يوم في عهد روما تابعة‬
   ‫دوافعهم وفهمهم؟ إن من‬         ‫للغرب وملتحمة بحضارته‪،‬‬               ‫هذا الربع المهمل»(‪.)18‬‬
     ‫طبيعتنا أن نتبنى نظرة‬                                            ‫وسينجح في تسخير‬
    ‫وموق ًفا من حيث علاقتنا‬            ‫ومن ثم فإن الفاتحين‬          ‫كل حياته لتكوين البدو‬
  ‫بالآخرين ومن ثم فإن هذه‬          ‫القادمين من الفرنجة إنما‬      ‫وترويض شعوب القبائل‪،‬‬
 ‫النظرة تتأثر لزو ًما بأسلوب‬     ‫جاءوا ليعيدوها إلى نصابها‬     ‫وتسوية أوضاع أهالي المدن‬
 ‫الحياة الذي نشأنا عليه منذ‬     ‫الطبيعي‪ ،‬بعد الفساد الطويل‬          ‫من المسلمين وفي حكم‬
                                   ‫الذي تسبب به العرب على‬        ‫الجميع بقبضة من حديد‪..‬‬
                 ‫الميلاد»(‪.)21‬‬  ‫هذا النحو تنتج القوة المعرفة‬       ‫وبتحقيق هذا العمل فإن‬
      ‫في ضوء تلك الحيثيات‬       ‫التي تسوغها وتقويها وتعزز‬       ‫هذا الأمير يصبح أه ًل لكي‬
      ‫يمكن النظر إلى دراسة‬          ‫مواقعها ولا يهمها ما إذا‬     ‫تطلق عليه أجيال الحاضر‬
 ‫توينبي للحضارة الإسلامية‬          ‫كانت هذه المعرفة حقيقية‬         ‫والمستقبل لقب (المحيي)‬
 ‫وكتاباته المتنوعة عن العرب‬      ‫أم باطلة‪ .‬لأنها معنية بإنتاج‬         ‫إذ يكون أجدر به من‬
 ‫واليهود والأتراك والمسلمين‬       ‫ذاتها وإعادة إنتاج حقيقتها‬
     ‫عامة‪ ،‬وذلك بإرجاع كل‬                                                    ‫نابليون»(‪.)19‬‬
 ‫تلك النصوص إلى سياقاتها‬               ‫هي‪ ،‬وعلى هذا لم يكن‬      ‫وفي مؤلفه (تاريخ المغرب)‬
‫الثقافية والكشف عن دلالاتها‬     ‫بمقدور الاستشراق أن يأتي‬        ‫يشرح المستشرق الفرنسي‬
  ‫المتخفية ودوافعها المضمرة‬
    ‫وأهدافها الوظيفية سواء‬         ‫تعبي ًرا صاد ًقا على الشرق‬       ‫(هنري فورنان) طبيعة‬
  ‫كان يعلم بها توينبي أو لم‬          ‫بقدر ما كان تعبي ًرا عن‬      ‫مهمته في الجزائر بقوله‪:‬‬
    ‫يكن يرغب في البوح بها‪.‬‬                                         ‫«أثناء السنوات ‪-1834‬‬
                                  ‫الشرق كما يراه الغرب‪ ،‬أي‬      ‫‪ 1846‬التي كرستها للمهمة‬
                                                                ‫التي كلفني بها السيد وزير‬
   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243