Page 240 - m
P. 240

‫العـدد ‪58‬‬                              ‫‪238‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                          ‫والممارسات والنصوص‬
                                                                    ‫والرموز تتوحد دائ ًما في‬
                 ‫المواقع(‪.)25‬‬       ‫والرأس واليد والجيب‪،‬‬             ‫مجرى التاريخ الطبيعي‬
  ‫ولما كنا نعلم أن كل دراسة‬      ‫الذي يرمز للشرق العاجز‬           ‫من حيث هي حملة الأغنياء‬
                               ‫الضعيف المتخلف‪ ،‬الذي يخر‬          ‫والأقوياء الغالبين القاهرين‬
      ‫للتاريخ لا تنبع إلا من‬    ‫راك ًعا بين قدمي روبنسون‬          ‫في جميع الأزمنة إلى جميع‬
      ‫حاجات الحاضر‪ ،‬حتى‬
   ‫إن كان ذلك التاريخ المراد‬         ‫كروزو طلبًا للخلاص‬               ‫إقطاع الفقراء الضعفاء‬
    ‫دراسته هو الماضي‪ ،‬فهو‬        ‫وامتنا ًنا بالجميل واعترا ًفا‬      ‫المغلوبين المقهورين‪ ،‬إنها‬
  ‫ليس مقصو ًدا لذاته وبذاته‬     ‫بالفضل واستسلا ًما لمشيئة‬        ‫حملة المال والسيف والعلم‪،‬‬
 ‫بل من حيث هو استمرار في‬                                             ‫على شرق النفط والري‪،‬‬
   ‫الحاضر المعاش بتحدياته‬                      ‫الأقدار(‪.)24‬‬       ‫والتخلف‪ ،‬هذه العلاقة بين‬
  ‫الحية‪ ،‬فحاضر الإنسان في‬         ‫بقي أن نشير ونحن نود‬              ‫الشرق المتخلف والغرب‬
 ‫مظهر من مظاهره‪ ،‬كامن في‬                                         ‫المتفوق هي التي فض بنيتها‬
  ‫المعنى الذي يعطيه لما سبقه‬          ‫الكشف عن مضامين‬                ‫المعقدة وأماط اللثام عن‬
    ‫من زمن ولما مضى قبله‬       ‫الخطاب التوينبي وتصوراته‬           ‫ديناميتها الخفية وتجلياتها‬
 ‫من أحداث ووقائع وثقافات‬       ‫التاريخية للشرق والحضارة‬             ‫المختلفة في التاريخ مدني‬
  ‫وحضارات‪ ،‬ولأن الانطلاق‬                                           ‫صالح في كتابه المهم (بعد‬
 ‫من معنى معين للتاريخ هو‬         ‫العربية الإسلامية‪ ،‬إلى أننا‬
    ‫أحد السبل لتغليب معنى‬      ‫لا نهدف إلى إدانة توينبي أو‬             ‫الطوفان) والذي يعد‬
‫معين للحاضر‪ ،‬ولأن حاضر‬                                               ‫من جميع الوجوه أعمق‬
 ‫الإنسان في عدد من مظاهره‬        ‫اتهامه بالتآمر على الشرق‬            ‫نقد للاستشراق الغربي‬
    ‫استمرار للماضي‪ ،‬ولأن‬           ‫وأهله‪ ،‬بل كان هدفنا أن‬       ‫والاستشراق المعكوس‪ ،‬وذلك‬
‫عوامل عدة من الماضي تؤدي‬                                            ‫حينما صور العلاقة بين‬
‫دو ًرا في تشكيل الحاضر‪ ،‬بما‬     ‫توينبي من حيث هو مؤرخ‬              ‫الغرب والشرق‪ ،‬بتعبيرها‬
‫في ذلك توجهاته‪ ،‬فإن تشكيل‬           ‫ومستشرق غربي يظل‬
  ‫تصور عن التاريخ الماضي‬                                               ‫الرمزي الروائي بين‬
    ‫لأهداف قد تكون متباينة‬       ‫محكو ًما ببنية هذه العلاقة‬         ‫روبنسون كروزو تمثا ًل‬
                                   ‫بين الشرق والغرب ولا‬          ‫ورم ًزا للغرب المتفوق حامل‬
               ‫مهمة راهنة‪.‬‬                                          ‫وسائل التحليل ومناهج‬
  ‫على هذا النحو ينبغي علينا‬     ‫يستطيع تجاوزها‪ ،‬ذلك لأن‬             ‫الاستقراء وطرائق العلم‬
                               ‫مسار التاريخ موكب متحرك‬              ‫الصحيح‪ ،‬وعامر الرأس‬
    ‫النظر إلى اهتمام توينبي‬                                     ‫بحكمتين‪ :‬حكمة أبي الأنبياء‬
       ‫بالحضارة الإسلامية‬        ‫ولا يكون المؤرخ فيه نس ًرا‬          ‫إبراهيم الأوري وحكمة‬
                                 ‫محل ًقا في أعالي الموضوعية‬         ‫أبي الفلاسفة أفلاطون‪..‬‬
   ‫والوطن العربي والقضية‬          ‫المحايدة بل هو أحد أفراد‬          ‫وعامر البندقية بالبارود‪،‬‬
         ‫الفلسطينية‪ ،‬وتركيا‬    ‫الموكب يجرجر أقدامه داخل‬              ‫وعامر الجيب بالذهب‪..‬‬
                                 ‫التاريخ يمينًا ويسا ًرا وإلى‬    ‫وبين فرايدي‪ ،‬فارغ الصدر‬
‫ومستقبل الإسلام وغير ذلك‬       ‫الأمام والخلف‪ .‬فالمؤرخ جزء‬
    ‫من القضايا التي ناقشها‬      ‫من التاريخ ولن نفهم عمله‬
                                  ‫دون فهم موقعه وموقفه‬
  ‫توينبي في عدد من مؤلفاته‬
                                   ‫وزاوية نظره‪ ،‬وأن آفا ًقا‬
                                ‫جديدة وزوايا جديد للرؤية‬

                                   ‫تظهر كلما تحرك الموكب‬
                                  ‫وليس من الصواب وضع‬

                                   ‫علامة التساوي بين كل‬
   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245