Page 245 - m
P. 245

‫الملف الثقـافي ‪2 4 3‬‬

      ‫فالأطماع الاستعمارية‬             ‫ذلك‪« :‬لا يباع من اليهود‬        ‫العموم وبخاصة قضايا‬
      ‫والسيطرة على الشرق‬            ‫ولا من النصارى كتاب علم‬               ‫الشرق الأقصى(‪:)2‬‬
  ‫كانت الهدف الرئيس وراء‬
       ‫ظهور هذه الدراسات‬               ‫إلا ما كان من شريعتهم‬       ‫وللتوسع في معرفة الجدل‬
  ‫والبحوث التي كانت ترمي‬                  ‫فإنهم يترجمون كتب‬         ‫القائم بين الباحثين حول‬
  ‫إلى معرفة ثقافات الشعوب‬
‫المستعمرة لا بغرض المعرفة‬           ‫العلوم وينسبونها الى أهلهم‬         ‫الاصطلاح‪ :‬استشراق‪،‬‬
   ‫أو التشخيص بل من أجل‬            ‫وأساقفتهم وهي من تواليف‬          ‫أو استعراب‪ ،‬أو استفراق‬
    ‫معرفة آليات تمديد فترة‬                                           ‫(دراسات أفريقية) يمكن‬
     ‫استعبادها‪ ،‬واستنزاف‬                         ‫المسلمين»(‪.)3‬‬   ‫الاطلاع على كتاب‪« :‬الأندلس‬
  ‫ثرواتها‪ ،‬وحتى الدراسات‬                ‫وتبلور بعد ذلك مفهوم‬         ‫برؤى استعرابية» لمحمد‬
  ‫الوصفية الطوبوغرافية‪ ،‬أو‬                                        ‫العمارتي‪ ،‬وللدراسة النقدية‬
 ‫الجيولوجية لم تكن موجهة‬                   ‫الاستعراب‪ ،‬وأصبح‬        ‫التي قدمها الباحث المغربي‬
   ‫بأغراض علمية بحتة‪ ،‬بل‬                 ‫يطلق على كل بحث في‬      ‫بلال أشمل في مجلة دراسات‬
‫كانت ترمي إلى تحديد أماكن‬          ‫الدراسات العربية الإسلامية‬        ‫استشراقية العدد ‪ 17‬من‬
‫الثروات الطبيعية التي تزخر‬         ‫الأندلسية‪ ،‬كما عرف بتوجهه‬
    ‫بها هذه الشعوب التي لا‬            ‫الموضوعي‪ ،‬دون أن نغفل‬           ‫سنة ‪ .2019‬والمصطلح‬
   ‫زالت لحد الآن تعاني من‬              ‫البعض من الباحثين من‬       ‫الأنسب الذي يقدمه الأستاذ‬
                                     ‫لم يقدر على تجاوز النزعة‬
          ‫الثلاثي المشؤوم‪.‬‬             ‫الذاتية التي كانت تقيده‪،‬‬       ‫بلال أشمل‪ :‬الأندلسيات‬
 ‫ولهذا وقع التباس في الفهم‬            ‫والنظرة الاستعلائية التي‬         ‫نجده الأنسب والأدق‪.‬‬
                                                                        ‫والملاحظ أن القراءات‬
     ‫والوعي عند هذه الأمم‬                          ‫كان يتبعها‪.‬‬
 ‫المستلبة ثقافيًّا‪ ،‬واقتصاد ًّيا‪،‬‬                                 ‫الإنسانية لا تتجاوز المنظور‬
                                   ‫الاستعراب الإسباني‪:‬‬                ‫الثقافي والجغرافي الذي‬
      ‫حيث وجه الفهم نحو‬                                                ‫تنتمي إليه‪ ،‬فالبحث في‬
     ‫المنحى العلمي الطبيعي‬           ‫يختلف تاريخ الاستشراق‬
    ‫أو السوسيولوجي لهذه‬                  ‫الإسباني عن المدارس‬        ‫التراث العربي في الأندلس‬
     ‫الأمم‪ ،‬ومنه تكونت فئة‬                                       ‫ليس استشرا ًقا‪ ،‬أي لا يدخل‬
 ‫داخل هذه المجتمعات تؤمن‬              ‫الاستشراقية الأخرى من‬       ‫في حقل الدراسات الشرقية‪،‬‬
   ‫بعظمة الحضارة الغربية‪،‬‬            ‫زاوية المقدمات‪ ،‬أو الدوافع‬
   ‫وفلسفة الحداثة‪ ،‬وبعدها‬                                             ‫والأصل التاريخي الذي‬
   ‫الإنساني‪ ،‬والذي ليس في‬              ‫التي تكمن وراء ميلاده‪،‬‬        ‫اعتمده الإسبان في تبني‬
‫الحقيقة غير تمويه وتضليل‪،‬‬                                             ‫اصطلاح الاستعراب في‬
 ‫والواقع الراهن يثبت الغاية‬                                        ‫مقابل الاستشراق نجده في‬
  ‫الاستعمارية من وراء هذه‬                                            ‫التسمية التي كانت تطلق‬
                                                                     ‫على الإسبان الذي تعلموا‬
                ‫الدراسات‪.‬‬                                         ‫اللغة العربية بقصد التلاقح‬
    ‫ولكن المقدمات التاريخية‬                                         ‫الثقافي مع المسلمين‪ ،‬حيث‬
‫للاستعراب الإسباني تختلف‬                                           ‫اطلق عليهم آنذا ك �‪Moza‬‬
 ‫كثي ًرا عن الأخرى من حيث‬                                         ‫‪ rabes‬مع الاحتفاظ بدينهم‬
                                                                 ‫وعقيدتهم المسيحية‪ ،‬وإن كان‬
      ‫العلاقة التاريخية بين‬                                      ‫البعض منهم عمل على سرقة‬
‫الإسبان والمسلمين‪ ،‬فالحقبة‬                                          ‫الإنتاج العلمي للمسلمين‪،‬‬
                                                                 ‫ونسبه لأساقفتهم وعلمائهم‪،‬‬
                                                                   ‫ونص ابن عبدون يشير إلى‬
   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250