Page 249 - m
P. 249

‫الملف الثقـافي ‪2 4 7‬‬

 ‫على هذا الاهتمام‪ ،‬وعلى الأثر‬  ‫الإنصاف في بحوث بلاثيوس‬          ‫تبقى مطلبًا إنسانيًّا لا يمت‬
     ‫الذي تركه ابن عربي في‬           ‫حيث إن إبراز المناحي‬        ‫بصلة لأي دين‪ ،‬ولا تملك‬

‫بلاثيوس‪ .‬كما اهتم بلاثيوس‬          ‫الإبداعية والمميزة ومنها‬          ‫انتما ًء ا ثقافيًّا أو إثنيًّا‬
 ‫بابن باجه السرقسطي وابن‬            ‫السيكولوجية في التراث‬         ‫محد ًدا‪ ،‬فالعلاقة المتوترة‬
                                     ‫الديني والصوفي إقرار‬          ‫التي تربط الأمة العربية‬
   ‫مسرة ومدرسته الفكرية‪،‬‬       ‫بالحضور والمساهمة في بناء‬           ‫بالإسبانية أنتجت داخل‬
  ‫حيث كتب عدة مقالات عنه‬           ‫الحضارة الإنسانية‪ ،‬وما‬         ‫المجتمع الإسباني شرائح‬
                                  ‫يؤكد ذلك الدراسات التي‬           ‫اجتماعية وثقافية تنظر‬
            ‫وعن ابن طفيل‪.‬‬        ‫قدمها لبيان التناص الأدبي‬
       ‫أما ابن حزم فقد أفرد‬     ‫بين الكوميديا الإلهية كتابه‪:‬‬        ‫بعداء إلى الأمة العربية‬
     ‫له العديد من الدراسات‬     ‫الأصول الإسلامية للكوميديا‬           ‫والإسلامية‪ ،‬وأخطرها‬
      ‫والبحوث‪ ،‬ويقرر فيها‬           ‫الإلهي ة �‪La escatolo‬‬     ‫المنظور الاستعماري‪ ،‬فالعرب‬
      ‫بلاثيوس بأسبقية ابن‬         ‫‪gia muslumana en la‬‬          ‫أمة غريبة عن شبه الجزيرة‬
 ‫حزم في تأسيس علم تاريخ‬            ‫‪ divina cumidia‬حيث‬         ‫الأيبيرية‪ ،‬فهم بالأصل غزاة‪،‬‬
   ‫الأديان‪ ،‬أو ما يعرف بعلم‬       ‫أثبت بالدليل أن الكوميديا‬       ‫وقد انعكست هذه النظرة‬
    ‫الأديان المقارن‪ ،‬والعنوان‬    ‫الإلهية مأخوذة من معجزة‬         ‫على الدراسات الأكاديمية‪،‬‬
     ‫الذي يحمله كتابه يطرح‬      ‫الإسراء والمعراج‪ ،‬وفيه تابع‬   ‫ولكننا مع بعض المستشرقين‬
     ‫أسئلة عدة‪ ،‬وهو‪« :‬عدم‬        ‫دانتي خطوة بخطوة مبينًا‬            ‫الإسبان‪ ،‬ومنهم ميغيل‬
 ‫الاكتراث بالديانة في إسبانيا‬     ‫جميع التقاطعات بين نص‬            ‫بلاثيوس‪ ،‬ندرك أن قوة‬
   ‫الإسلامية حسب رأي ابن‬            ‫الكوميديا الإلهية لدانتي‬    ‫الحقيقة الموضوعية تفرض‬
‫حزم مؤرخ الأديان والمذاهب‬          ‫وقصة الإسراء والمعراج‪.‬‬          ‫نفسها على الباحث مهما‬
  ‫في الثقافة الإسبانية» وهي‬      ‫من أهم الاهتمامات البحثية‬        ‫كانت قوة المعتقد الفكري‬
   ‫دراسة مكتوبة بالفرنسية‬          ‫التي عرف بها بلاثيوس‬        ‫الذي يؤسس فكره القاعدي‪.‬‬
        ‫منشورة عام ‪.1907‬‬         ‫البحوث التي تعلقت بمحي‬              ‫وعليه تصبح الحقيقة‬
                                   ‫الدين بن عربي‪ ،‬وعلاقته‬      ‫متعالية‪ ،‬وليست مل ًكا لأحد‪.‬‬
       ‫فذلكة‪:‬‬                     ‫بابن عربي بدأت «في سنة‬      ‫اهتم أسين بلاثيوس بدراسة‬
                                  ‫‪ 1899‬بجملة بحوث‪ ،‬وفي‬              ‫أهم الفلاسفة المسلمين‬
       ‫نعتقد أن الوقوف عند‬          ‫سنة ‪ 1906‬قدم دراسة‬              ‫وأعمدة التصوف حيث‬
   ‫زئبقية المفاهيم‪ ،‬وخلفياتها‬     ‫عن سيكولوجية الإشراق‬            ‫اهتم بالفيلسوف الغزالي‬
  ‫الإيديولوجية مسألة ينبغي‬          ‫الصوفي لدى ابن عربي‬            ‫من زاوية نفسية‪ ،‬تمنح‬
‫تجاوزها من طرف الباحثين‪،‬‬                                      ‫الغزالي الأسبقية والريادة في‬
 ‫لأنها في نظرنا مجرد معارك‬            ‫والغزالي‪ ،‬وصدرت له‬         ‫الدراسات النفسية‪ ،‬ومنها‬
‫وهمية تستنفذ الجهود الذاتية‬        ‫عام ‪ 1907‬دراسة ضمن‬          ‫المقالات التي جاءت بعنوان‪:‬‬
‫للباحثين وتجعل من مشاريع‬          ‫كتاب جماعي هو حصيلة‬           ‫علم النفس الإيماني حسب‬
    ‫المؤسسات أعما ًل وهمية‪،‬‬      ‫تجميع أشغال مؤتمر دولي‬            ‫الغزالي في مجلة أرغون‬
‫لأن الأمة العربية والإسلامية‬     ‫للمستشرقين‪ ،‬بعنوان علم‬       ‫بسرقسطة‪ ،‬ونشر عام ‪1906‬‬
    ‫أمام محك الوجود‪ :‬تكون‬        ‫النفس عند محيي الدين بن‬         ‫بمدريد بحثًا عن نفسانية‬
                                   ‫عربي»(‪ .)13‬والكتاب الذي‬      ‫الوجد الصوفي لدى الغزالي‬
    ‫أو لا تكون‪ ،‬فالأصل هو‬       ‫قام بترجمته الفيلسوف عبد‬
‫الاستثمار الفكري‪ ،‬واستغلال‬         ‫الرحمن بدوي أكبر دليل‬                   ‫وابن عربي(‪.)12‬‬
                                                                     ‫ومن هنا يظهر مؤشر‬
  ‫البحوث والدراسات المقدمة‬
 ‫من طرف الآخر‪ ،‬والإشارات‬
   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253   254