Page 274 - m
P. 274

‫العـدد ‪58‬‬                             ‫‪272‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫ُدولهم وأقاليمهم وبلدانهم‬
                                                                   ‫التي تغطي أكبر رقعة من‬
 ‫الشرق التي تضع كل ما هو‬           ‫أو المؤسسات الأكاديمية‬
  ‫شرقي في قاعة الدرس‪ .‬أو‬        ‫بطريقة سلبية‪ ،‬كما أنه ليس‬           ‫الأرض‪ .‬وهم قد جمعوا‬
    ‫في المحكمة‪ ،‬أو في السجن‬    ‫مجموعة النصوص الضخمة‬               ‫ذلك وعكفوا عليه وتأملوه‬
 ‫أو في الدليل المصور‪ ،‬بهدف‬                                        ‫ودرسوه ونظموه ورتبوه‬
       ‫الفحص والتدقيق‪ ،‬أو‬           ‫أو المتنوعة عن الشرق‪،‬‬         ‫بعناية فائقة‪ ،‬وبه َّم ٍة وجلد‬
  ‫الدرس‪ ،‬أو إصدار الأحكام‪،‬‬         ‫ولا هو يمثل أو يعبر عن‬       ‫وتنبه ونفاذ بصر»(‪ .)3‬إلا أنه‬
   ‫أو التأديب‪ ،‬أو تولي الحكم‬      ‫مؤامرة إمبريالية «غربية»‬      ‫يعود وينفي هذا‪ ،‬لأن مسألة‬
 ‫فيه»(‪ .)7‬ويقول أي ًضا‪« :‬إنهم‬  ‫لعينة من أجل إخضاع العالم‬         ‫أن يعرف المستشرق تاريخ‬
     ‫لا يستطيعون أن يمثلوا‬        ‫«الشرقي»‪ .‬بل إنه توزيع‬         ‫أمة ما ولغتها وعاداتها أمر‬
      ‫أنفسهم‪ ،‬إنهم يجب أن‬        ‫للوعي الجبيوبوليتيكي علي‬         ‫في غاية الصعوبة وينقصه‬
 ‫ُيمثلوا»(‪ .)8‬يمثل الاستشراق‬     ‫نصوص جمالية وأكاديمية‬              ‫الدقة بسبب عدم المعرفة‬
    ‫عند سعيد جدلية العلاقة‬      ‫واقتصادية وسوسيولوجية‬
    ‫بين القوة والضعف‪ ،‬بين‬                                             ‫الكافية باللغة التي هي‬
     ‫الاستعمار والمثقفين في‬         ‫وتاريخية وفيلولوجية‪،‬‬          ‫وعاء الثقافة‪ ،‬والثقافة التي‬
  ‫بلدهم‪ .‬إن فكرة الاستعمار‬      ‫وهو توسيع لتمييز جغرافي‬            ‫لها شروط هي «الأيمان»‪،‬‬
 ‫التي تطل باستمرار‪ ،‬تجعلنا‬       ‫أساسي (هو تقسيم العالم‬          ‫و»العمل» و»الانتماء»‪ ،‬دون‬
      ‫لا نثق في نتائج البحث‬      ‫إلى جزأين غير متساويين‪،‬‬        ‫هذه الشروط تتحول الثقافة‬
  ‫والاستشراق‪ .‬يعتمد سعيد‬         ‫الشرق والغرب) ولسلسلة‬          ‫إلى مجرد معلومات ومعارف‬
  ‫في طرحه على الفصل الحاد‬                                        ‫وأقوال مطروحة في الطريق‬
        ‫بين الشرق والغرب‪.‬‬         ‫كاملة من المصالح يخلقها‬
  ‫إذ برز منذ منتصف القرن‬         ‫الاستشراق و ُيحافظ عليها‬           ‫دون فائدة‪ .‬فالمستشرق‬
       ‫الثامن عشر عنصران‬          ‫من خلال الكشف العلمي‬              ‫عندما ينظر في ثقافة أمة‬
    ‫رئيسيان في العلاقة بين‬                                          ‫غير أمته إنما ينظر فيها‬
   ‫الشرق والغرب‪ ،‬الأول هو‬            ‫والتحقيق الفيلولوجي‬           ‫لأحد أمرين‪ :‬إما أن ينظر‬
     ‫نمو المعرفة المنهجية عن‬   ‫والتحليل النفساني والوصف‬              ‫فيها ليكسب منها شيئًا‬
     ‫الشرق في أوروبا‪ ،‬وهي‬                                       ‫لأمته وثقافته‪ ،‬وإما أن ينظر‬
  ‫المعرفة التي دعمها التلاقي‬        ‫الجغرافي والاجتماعي‪..‬‬         ‫فيها ليناظر ويناقش‪ .‬وكلا‬
     ‫الاستعماري‪ ،‬إلى جانب‬       ‫والواقع أن الفكرة الحقيقية‬        ‫الأمران حق لا ينازعه فيه‬
     ‫انتشار الاهتمام بما هو‬                                      ‫منازع‪ .‬وفي كلا الأمرين هو‬
   ‫أجنبي وغير مألوف‪ ،‬وهو‬            ‫التي أدافع عنها هي أن‬        ‫واقع في مأزق ضيق‪ :‬مأزق‬
                               ‫الاستشراق هو ذاته ُبع ٌد ها ٌّم‬   ‫«اللغة» ومأزق «الثقافة»(‪.)4‬‬
‫الاهتمام الذي استغلته العلوم‬
    ‫التي كانت تنمو وتتطور‪،‬‬         ‫من أبعاد الثقافة الحديثة‬     ‫إدوارد سعيد (‪-1935‬‬
                                 ‫السياسية والعقلية‪ ،‬وليس‬               ‫‪)2003‬‬
‫مثل علم الأعراق والسلالات‪،‬‬        ‫ُمجرد ممثل لهذه الثقافة‪،‬‬
 ‫وعلم التشريع المقارن‪ ،‬وفقه‬     ‫ومن ثم فأنه يتعلق «بعالمنا»‬        ‫ويذهب إدوارد سعيد إلى‬
 ‫اللغة‪ ،‬والتاريخ‪ .‬أما العنصر‬    ‫أكثر مما يتعلق بالشرق»(‪.)5‬‬          ‫القول بأن‪« :‬الاستشراق‬
                                ‫ويقول في موضع آخر‪« :‬إن‬
      ‫الآخر في العلاقات بين‬     ‫الاستشراق يرتبط بمصدره‬                 ‫ليس مجرد موضوع‬
  ‫أوروبا والشرق فكان تمتع‬        ‫أي الغرب‪ ،‬أكثر مما يرتبط‬          ‫سياسي للبحث‪ ،‬أو ميدان‬
                                                                  ‫تعكسه الثقافة أو الدراسة‬
    ‫أوروبا على الدوام بموقع‬         ‫بموضوعه‪ ،‬أي الشرق‪،‬‬
‫القوة‪ .‬فقد كانوا يشيرون إلى‬       ‫فللاستشراق صلة وثيقة‬
                                  ‫بالحضارة المسيطرة التي‬

                                    ‫أنتجته»(‪ .)6‬إلا أنه يعود‬
                                    ‫في موضع ثالث ويقول‬
                                    ‫«الاستشراق هو معرفة‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279