Page 237 - merit 49
P. 237

‫الملف الثقـافي ‪2 3 5‬‬

    ‫و ُدحرت في منطقة قونية‬        ‫كما أشار المؤرخ «دريوليت»‪،‬‬       ‫السلطنة والخلافة العثمانية‪-‬‬
   ‫وأصبح السلطان العثماني‬          ‫إلى أن محمد علي قام بحربه‬      ‫الإسلامية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يبقي على‬
 ‫نفسه تحت رحمة هذا التابع‬                                          ‫مفهوم دولة الخلافة‪ ،‬خاصة‬
                                     ‫ضد الدولة العثمانية؛ لأنه‬      ‫وأن جيوشه قد شارفت علي‬
                  ‫الثائر(‪.)12‬‬      ‫كان يملك الحلم والرغبة في‬
                                   ‫أن يكون عظي ًما‪ ..‬وأن يك ِّون‬    ‫دخول الآستانة؟ أم أنه كان‬
      ‫الخاتمة‬                     ‫دولة عظيمة‪ ..‬ومن ثم‪ ،‬وبعد‬         ‫يريد أن يقيم في مصر دولة‬
                                 ‫أن نجح في إقامة جيش حديث‬           ‫مدنية قوية بالمفهوم الغربي‬
   ‫نخلص من ذلك‪ ،‬أن محمد‬             ‫ومتطور وأسطول مرهوب‬
‫علي كان حاك ًما طمو ًحا ذكيًّا‪،‬‬  ‫الجانب‪ ،‬وبعد أن رفع إنتاجية‬                       ‫الحديث؟(‪)8‬‬
  ‫لديه رغبة كبيرة في السلطة‬       ‫مصر بشكل ملحوظ‪ ،‬أراد أن‬          ‫لا شك أن الوقائع والأحداث‬
‫والحكم‪ ،‬وإقامة دولة مستقلة‬        ‫يخرج مصر من حالة التبعية‬
 ‫ذات سيادة على غرار الدول‬            ‫إلى دولة خارجية‪ -‬الدولة‬          ‫تشهد بأن محمد علي كان‬
  ‫الأوروبية الحديثة‪ ،‬مستغ ًّل‬                                         ‫مغام ًرا عسكر ًّيا وسياسيًّا‬
                                                ‫العثمانية(‪.)10‬‬    ‫محن ًكا‪ ،‬ولكنه لا ينطلق من أي‬
    ‫الظرف التاريخي لضعف‬              ‫ولذلك طلب محمد علي من‬         ‫رؤى أيديولوجية‪ ،‬بل يسعى‬
  ‫الدولة المركزية‪ -‬العثمانية‪،‬‬     ‫الباب العالي أن يكافئه رسميًّا‬     ‫دائ ًما نحو القوة والسيطرة‬
‫فكان ضم الشام من شأنه أن‬            ‫على مجهوداته التي قام بها‬     ‫والسلطة الشخصية‪ ،‬وتحقيق‬
 ‫يدعم عناصر القوة والسلطة‬            ‫من أجل الدولة العثمانية‪،‬‬     ‫طموحاته العسكرية في تكوين‬
                                 ‫بإعطائه ولاية الشام إلى جانب‬        ‫إمبراطورية مصرية تكون‬
     ‫الاستقلالية لمصر‪ .‬ومن‬          ‫ولاية مصر له ولأبنائه من‬       ‫مستقلة عن الدولة العثمانية‪.‬‬
  ‫ثم‪ ،‬فإن المصالح السياسية‬
 ‫والاستراتيجية والاقتصادية‬                          ‫بعده(‪.)11‬‬            ‫وهذا ما يؤكده المؤرخ‬
   ‫‪-‬وحدها‪ -‬هي التي تفسر‬           ‫لكن الدولة العثمانية رفضت‬       ‫«دودويل»‪ ،‬أن محمد علي ربما‬
  ‫حركة محمد علي التوسعية‬
                                      ‫ذلك‪ ،‬فقرر محمد علي أن‬        ‫تبنى فكرة حكم مصر‪ ،‬ليس‬
      ‫التي وصلت إلى حدود‬               ‫يحصل على ذلك بالقوة‬           ‫ممث ًل لغيره‪ ،‬ولكن كحاكم‬
   ‫البسفور وكادت أن ُتسقط‬         ‫العسكرية‪ ،‬وأعلن الحرب على‬
   ‫الآستانة‪ ،‬وبالتالي كان من‬      ‫الدولة العثمانية عام ‪1831‬م‪،‬‬     ‫مستقل‪ ،‬وذلك منذ اليوم الأول‬
  ‫الضروري أن ينتهج محمد‬           ‫التي كانت تعاني من الضعف‬           ‫الذي سيطر فيه على مصر‪،‬‬
    ‫علي عملية التحديث حتى‬        ‫العام على جميع‬                       ‫فإن كل الشواهد تدل على‬
  ‫يتمكن من بناء دولة قوية‪.‬‬            ‫الأصعدة‪،‬‬                                        ‫ذلك(‪.)9‬‬
‫لكن رغبة محمد علي في وراثة‬            ‫فاستطاع‬
    ‫التركة العثمانية لصالحة‬          ‫نتيجة لذلك‬
   ‫أدى إلى الاصطدام المباشر‬       ‫الاستيلاء على‬
   ‫بمصالح الدول الأوروبية‪،‬‬       ‫بلاد الشام‪ ،‬ولم‬
  ‫ما دفع الأخيرة إلى التدخل‬       ‫تستطع الدولة‬
   ‫لتحجيم دوره‪ ،‬حيث كانت‬          ‫العثمانية وقف‬
    ‫للقوى الأوروبية العظمى‬         ‫تقدم جيوشه‬
‫مطامعها ومصالحها الخاصة‬              ‫بقيادة ابنه‬
    ‫التي تعارضت مع أهدافه‬         ‫إبراهيم باشا‪،‬‬
   ‫وطموحاته‪ ،‬وكان الصراع‬         ‫و ُهزمت القوات‬
 ‫حول هذه المصالح والمطامع‬              ‫العثمانية‬
   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242