Page 233 - merit 49
P. 233

‫الملف الثقـافي ‪2 3 1‬‬

 ‫وأهداف محمد علي التي كان‬             ‫المدنية الحديثة على نظام‬    ‫بالضرورة دولة ديمقراطية‬
   ‫يريدها من خلال استقلاله‬             ‫مدنى يقوم على أساس‬       ‫تحترم العقل الإنسانى‪ ،‬وتضع‬
                                   ‫السلام الاجتماعي‪ ،‬والعدل‪،‬‬    ‫قوانينها طب ًقا لما يقتضيه العقل‬
‫عن الخلافة العثمانية‪ ،‬هل كان‬     ‫والتسامح‪ ،‬والتعددية‪ ،‬وقبول‬
 ‫محمد علي يريد بالفعل إقامة‬           ‫الاختلاف‪ ،‬والمساواة فى‬        ‫فى ضوء التجربة والتطور‬
  ‫دولة مدنية حديثة على غرار‬         ‫الحقوق والواجبات‪ ،‬وعدم‬       ‫والمصلحة العامة‪ ،‬والاستفادة‬
                                     ‫التمييز على أساس العرق‬       ‫من تجربة الدول الأوروبية‪.‬‬
‫الدولة القومية الحديثة السابق‬        ‫أو الدين‪ ،‬واحترام حقوق‬       ‫فقد ظهرت الدولة بصورتها‬
 ‫الإشارة إليها؟ أم كان طام ًحا‬     ‫الإنسان‪ ،‬ودعم مبدأ الحرية‬    ‫الحديثة في أوروبا بعد معاهدة‬
  ‫لبعث امبراطورية قوية ترث‬          ‫المنضبطة فى الفكر والرأى‪،‬‬    ‫وستفاليا سنة ‪1648‬م‪ ،‬والتي‬
                                       ‫ورفض فكر التحريض‬         ‫كانت البداية الحقيقية لمنظومة‬
   ‫الخلافة العثمانية‪ ،‬وتصبح‬
   ‫الأسرة العلوية هي الأسرة‬                       ‫والكراهية‪.‬‬        ‫الدول الحديثة في أوروبا‪،‬‬
‫الحاكمة بدل أسرة آل عثمان؟‬                                      ‫حيث أنهت هذه المعاهدة حرب‬
                                  ‫محمد علي وتأسيس‬               ‫الثلاثين عاما في الإمبراطورية‬
‫تولي محمد علي السلطة‬             ‫الدولة المدنية في مصر‬
                                                                      ‫الرومانية‪ ،‬وكذلك حرب‬
  ‫ظهر في أواخر القرن الثامن‬        ‫كتب كثير من المؤرخين عن‬                   ‫الثمانين عا ًما(‪.)1‬‬
‫عشر ضابط عثماني من أصل‬            ‫تجربة الوالي محمد علي باشا‬
‫ألباني‪ ،‬جاء مع الفرقة الألبانية‬                                   ‫ويعتبر صلح ويستفاليا هو‬
                                   ‫في إقامة دولة مدنية حديثة‬        ‫أول اتفاقية دبلوماسية في‬
       ‫التي ارسلتها الحكومة‬         ‫بمساعدة الدول الأوروبية‬       ‫العصر الحديث‪ ،‬وقد أرسى‬
‫العثمانية؛ بهدف إخراج الغزاة‬         ‫وعلى رأسها فرسا‪ ،‬وذلك‬        ‫نظا ًما جدي ًدا في أوروبا مبنيًّا‬
‫الفرنسيين الذين سيطروا على‬                                        ‫على مبدأ سيادة الدولة‪ ،‬وقد‬
                                      ‫على غرار الدولة القومية‬     ‫قلَّص صلح وستفاليا سلطة‬
  ‫مصر سنة ‪1798‬م‪ ،‬وبسبب‬                 ‫الحديثة التي ظهرت في‬
 ‫ذكاء هذا الضابط وبمساعدة‬         ‫أوروبا بعد معاهدة وستفاليا‬          ‫الإمبراطورية الرومانية‬
                                     ‫سنة ‪1648‬م‪ ،‬حيث تظل‬             ‫المقدسة ونفوذها بصورة‬
   ‫الظروف آنذاك استطاع أن‬            ‫شخصية محمد علي من‬                ‫جذرية‪ ،‬وأصبحت هناك‬
   ‫يكون واليًا على مصر‪ ،‬وأن‬      ‫أكثر الشخصيات التاريخية‬            ‫كيانات تمثل دو ًل بالمعنى‬
   ‫يثبِّت مركزه ويتخلص من‬          ‫إثارة للجدل‪ ،‬والاختلاف‪،‬‬      ‫الحديث‪ ،‬أي دول مستقلة ذات‬
 ‫منافسيه‪ ،‬ليصبح الشخصية‬          ‫بين من يرون أنه باني الدولة‬        ‫سيادة‪ ،‬كما تأكد الأساس‬
‫الأكثر شهرة وتأثي ًرا في تاريخ‬    ‫المصرية الحديثة‪ ،‬بينما ترى‬
  ‫مصر الحديث‪ ،‬لما قام به من‬         ‫التيارات السلفية أن الدول‬         ‫العلماني لمنظومة الدول‬
   ‫إنجازات داخلية وخارجية‪،‬‬             ‫الأوروبية الاستعمارية‬     ‫الجديدة‪ ،‬وأضحت الصراعات‬
                                     ‫استخدمته كأداة للقضاء‬
     ‫شملت كل مرافق الحياة‬          ‫على الحركة الدينية السلفية‬      ‫بين الدول في أوروبا تدور‬
     ‫الاقتصادية والاجتماعية‬       ‫الوهابية التي ظهرت في شبه‬     ‫حول السلطة والأرض‪ ،‬وليس‬
     ‫والسياسية والعسكرية‪..‬‬         ‫الجزيرة العربية‪ ،‬والإجهاز‬    ‫سعيًا لفرض السيطرة الدينية‪.‬‬
  ‫إلخ‪ ،‬وذلك بعد أن تمكن من‬              ‫على الخلافة العثمانية‬    ‫وأصبحت الدولة هي الوحدة‬
‫القضاء على الفوضى والفساد‬           ‫الإسلامية والقضاء عليها‪.‬‬
    ‫الداخليين اللذين أشاعهما‬     ‫والإشكالية هنا تتعلق بدوافع‬      ‫الأساسية في منظومة الدول‬
    ‫المماليك والإقطاعيون‪ ،‬فقد‬                                       ‫العالمية الحديثة بمفهومها‬
    ‫جسد بعث أمة قديمة إزاء‬                                          ‫السياسي والقانوني الذي‬
‫انحطاط السلطان المذري الذي‬                                            ‫يحكم العلاقات الدولية‪،‬‬

         ‫كان سيده اسميًّا(‪.)3‬‬                                   ‫وتتمتع جميع الدول بشخصية‬
                                                                    ‫قانونية(‪ .)2‬وترتكز الدولة‬
   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238