Page 252 - merit 49
P. 252

‫التي قامت عليها وتمددت‬             ‫مراجعة الوثائق التي أثبتها‬
  ‫بسببها وفي حمايتها‪ .‬وهذا‬       ‫خالد فهمي في كتابه تبين عقم‬
 ‫الرأي –بالتأكيد‪ -‬لا ينفي أن‬
  ‫طموح الباشا كان له اثر في‬         ‫البيروقراطية التي كانت الأمور‬
   ‫حملاته‪ ،‬وأن أطماعه كانت‬         ‫تدار بها‪ ،‬والعشوائية في كثير‬
  ‫تدفعه للمغامرة هنا وهناك‪،‬‬
‫وأن ثمة إصلاحات استحدثت‬              ‫من الأحيان‪ ،‬مثال ما حدث في‬
                                ‫التطعيم ضد الكوليرا‪ ،‬فعلى الرغم‬
     ‫واستفاد منها قطاع من‬
 ‫الناس حتى ولو لم يكن ذلك‬          ‫من أن الطبيب الفرنسي (كلوت‬
 ‫مقصو ًدا‪ ،‬لكن عدم مجاراته‬         ‫بك) لم يكن مقتن ًعا بالتطعيم‪،‬‬
  ‫لقوة بريطانيا‪ ،‬وعدم قدرته‬         ‫إلا أنه انصاع –كأي موظف غير‬
                                ‫مبا ٍل‪ -‬لطلب الباشا تعميم تطعيم‬
   ‫على مواجهتها‪ ،‬أجبرته على‬       ‫الأهالي تقلي ًدا للغرب‪ ،‬وبالصدفة‬
 ‫الخضوع‪ ،‬لأنه لم يكن يملك‬       ‫فقط ثبت أن التطعيم كان ناج ًعا!‬

                  ‫غير ذلك‪.‬‬      ‫وما يقال في المجال الصحي‬        ‫هذه الوقفة السريعة أمام‬
‫وفي النهاية فقد انهارت دولة‬        ‫يمكن أن يقال عن غيره‪،‬‬         ‫بعض الوثائق الواردة في‬

     ‫محمد علي على يد أبنائه‬      ‫بدليل أن (الدولة الناهضة)‬         ‫كتاب «السعي للعدالة»‬
    ‫أنفسهم‪ ،‬كأي بناء فوقي‬          ‫لم تصمد في النهاية أمام‬         ‫توضح أن ما يذكر في‬
   ‫ديكتاتوري يستهدف مجد‬                                      ‫العناوين العريضة من إحداث‬
 ‫الشخص أكثر مما يستهدف‬          ‫إرادة القوى الكبرى‪ :‬إنجلترا‬  ‫نهضة طبية‪ ..‬إلخ‪ ،‬يحتاج إلى‬
                                    ‫وفرنسا‪ ،‬وتحالفهما مع‬        ‫مراجعة‪ ،‬فالأمر في الواقع‬
       ‫بناء الوطن‪ ،‬فلم يترك‬        ‫الدولة العثمانية المريضة‬    ‫لم يكن كذلك لعدة أسباب‪:‬‬
 ‫مؤسسات قوية تستطيع أن‬                ‫لإجبار محمد علي على‬         ‫منها أن النظام العلاجي‬
                                                              ‫أقيم أسا ًسا لخدمة الجيش‪،‬‬
    ‫تحمي مكتسباتها وتقاتل‬         ‫التراجع للداخل‪ ،‬فتراجع‪،‬‬           ‫وأن الأهالي لم يكونوا‬
  ‫من أجل بقائها وتحافظ على‬          ‫ليظهر أن (خروجه) من‬         ‫يثقون في هذه المؤسسات‬
‫مكتسباتها وصلاحياتها التي‬        ‫الأساس كان بأوامر الباب‬         ‫الطبية المستحدثة‪ ،‬ثم إن‬
   ‫تضمنها لها الدساتير‪ ،‬كما‬     ‫العالي‪ ،‬بغرض تنفيذ مهمات‬           ‫البيروقراطية والإهمال‬
   ‫يحدث في الدول التي تقوم‬          ‫محددة مثل القضاء على‬     ‫والاستسلام للعشوائية كانت‬
   ‫على الديمقراطية والتداوب‬                                      ‫ديدن القائمين على إدارة‬
 ‫السلمي للحكم والفصل بين‬              ‫الحركة الوهابية التي‬     ‫العمل‪ ،‬سواء شورى الأطبا‬
‫السلطات‪ ،‬انهارت كما انهارت‬        ‫كانت تهدد مسألة امتلاك‬     ‫أو الخبير الفرنسي وأعوانه‪.‬‬
                                  ‫الخلافة العثمانية للتحدث‬
     ‫دولة جمال عبد الناصر‬
   ‫بعد رحيله‪ ،‬النموذج التالي‬        ‫باسم الدين‪ ،‬وهو الأمر‬
                                 ‫الذي كان سيقوض الفكرة‬
     ‫للإصلاح من أعلى‪ ،‬ومن‬
    ‫وجهة نظر واحدة‪ ،‬وجهة‬
  ‫نظر حاكم مستبد ي َّدعي أنه‬
  ‫الأكثر عل ًما والأكثر وطنية‪،‬‬
    ‫ويتهم خصومه بالخيانة‬

                   ‫والجهل‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257