Page 247 - merit 49
P. 247

‫الملف الثقـافي ‪2 4 5‬‬

  ‫الاقتصاد البريطاني طب ًعا)‪،‬‬               ‫خالد فهمي‬              ‫كي تستند إليها باعتبارها‬
  ‫مثل انخفاض سعر العمالة‬                                           ‫المشروع النهضوي الثاني‬
‫المصرية‪ ،‬وأن السلع المصرية‬           ‫أبواب مصر أمام التجارة‬     ‫لمصر‪ ..‬في حين أن أي نهضة‬
   ‫لا تحتاج مصاريف شحن‬                 ‫البريطانية‪ ،‬وأعاد قواته‬     ‫لكي تكون حقيقية وعميقة‬
  ‫لتباع في مصر مثلما تحتاج‬            ‫لداخل حدودها‪ ،‬ببساطة‬      ‫ومستمرة‪ ،‬لا بد أن تقوم على‬
‫السلع البريطانية‪ ،‬ولا رسوم‬                             ‫هكذا‪.‬‬      ‫التعدد‪ ،‬وعلى الشعب لا على‬
                                       ‫الأمر الثاني يخص هذه‬         ‫الجيش مهما بلغت قوته‪.‬‬
      ‫جمارك بالطبع‪ ،‬غير أن‬                                       ‫هذه الرواية «شبه الرسمية»‬
 ‫الثقافة البيئية تعمل دائ ًما في‬  ‫(البضاعة البريطانية) نفسها‪،‬‬    ‫تنال من منطقيتها عدة أمور‬
                                   ‫فأي دارس اقتصاد يعلم أن‬       ‫غالبًا لا ُيلتفت إليها‪ ،‬منها أن‬
   ‫صالح المنتج الوطني‪ ،‬وهو‬           ‫الاقتصاد الذي يخاف من‬         ‫ثمة تناق ًضا بين القول إن‬
   ‫ما نراه في إقبال المهاجرين‬        ‫فتح الحدود هو الاقتصاد‬       ‫(الدولة العثمانية المريضة)‬
‫المصريين –في بريطانيا نفسها‬          ‫الضعيف‪ ،‬مع ملاحظة أن‬
   ‫وفي أمريكا‪ -‬على المنتجات‬       ‫عدة عوامل كان من المفترض‬           ‫التي كانت آيلة للسقوط‬
                                   ‫أن تعمل لصالح (البضاعة)‬      ‫وقتها‪ ،‬وتعيش فصول صراع‬
     ‫المصرية‪ ،‬وإن كانت أقل‬          ‫المصرية (مع التسليم بقوة‬
  ‫جودة وأعلى سع ًرا‪ .‬كما أن‬                                           ‫مرير بين أمراء العائلة‬
  ‫(نهضة) محمد علي كان قد‬                                              ‫العثمانية‪ ،‬والتي هددها‬
 ‫م َّر على بدايتها حوالي (‪)35‬‬                                       ‫الجيش المصري بوصوله‬
                                                                 ‫إلى الآستانة‪ ..‬هذه الدولة في‬
     ‫عا ًما وقت دخول اتفاقية‬                                        ‫حالتها تلك (فرضت) على‬
‫‪ 1838‬حيز التنفيز‪ ،‬وهو وقت‬                                         ‫الدولة المصرية العفية التي‬
                                                                   ‫تمتلك جي ًشا عصر ًّيا قو ًّيا‬
    ‫طويل في ظل حكم حاكم‬                                             ‫(الخضوع) لاتفاقية بلطة‬
   ‫واحد هو محمد علي‪ ،‬يكفي‬                                        ‫ليمان‪ ،‬ثم لاتفاقية لندن بعد‬
                                                                    ‫ذلك التي أبرمتها إنجلترا‬
        ‫لاستقرار الاقتصاد‪.‬‬                                      ‫وفرنسا عام ‪ 1840‬مع الدولة‬
    ‫الأمر الثالث هو شخصية‬                                        ‫العثمانية! وما يلفت النظر في‬
                                                                  ‫هذه الرواية أن (الخضوع)‬
          ‫محمد علي نفسه‪..‬‬                                        ‫جاء طو ًعا ومن طرف واحد‪،‬‬
      ‫محمد علي كان ضاب ًطا‬                                       ‫طرف مصر‪ ،‬فلم يكن نتيجة‬
 ‫ألبانيًّا موف ًدا إلى مصر ضمن‬                                       ‫الهزيمة في حرب كبرى‬
   ‫(الحملة) العثمانية‪ ،‬جاءها‬                                      ‫مث ًل –كما سيحدث بعد ذلك‬
   ‫عام ‪ ،1801‬لكنه كان ذكيًّا‬                                     ‫لجمال عبد الناصر في حرب‬
     ‫ويمتك طمو ًحا سياسيًّا‪،‬‬                                        ‫يونيو ‪ ،-1967‬أو نتيجة‬
‫فانخرط في الصراع الدائر في‬                                       ‫تحريك المصريين للثورة على‬
  ‫مصر‪ ،‬واتفق مع (الشيوخ)‬                                         ‫الحاكم‪ ،‬أو انقلاب عسكري‪،‬‬
  ‫–عمر مكرم وأصحابه‪ -‬على‬                                           ‫أو –حتى‪ -‬انقلاب قصر‪..‬‬
 ‫تأجيج الشارع المصري ضد‬                                           ‫لم يحدث أي شيء من هذا‪،‬‬
  ‫خورشيد باشا‪ ،‬والي مصر‬                                         ‫وما حدث أن الباشا استجاب‬
  ‫وقتها من ِق َبل الباب العالي‪،‬‬                                  ‫لمطالب الرجل المريض وفتح‬
   ‫حتى تحقق لهم ما أرادوه‬
   ‫وتم عزل خورشيد‪ .‬وقتها‬
 ‫تودد محمد علي للشيوخ كي‬
‫يتوسطوا له لدى الباب العالي‬
 ‫لتوليته على مصر‪ ،‬وقد كان‪،‬‬
   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252