Page 245 - merit 49
P. 245

‫الملف الثقـافي ‪2 4 3‬‬

  ‫الدفاع العسكري الحضاري‬        ‫محمد علي‪ ،‬أكثر مما كانوا‬      ‫الوالي محمد علي والسلطان‬
   ‫السياسي الممتد من الشام‬    ‫يتعاطفون مع محمود الثاني‪.‬‬        ‫محمود وبابه العالي‪ ،‬وأن‬

‫ومصر والحجاز وإستامبول‪،‬‬           ‫مع انتصار جند إبراهيم‬      ‫محمد علي في حروب الشام‬
   ‫وهو خط الدفاع الذي بقي‬        ‫بدأ يتحرك بجيشه إلى ما‬          ‫لم يكن مؤس ًسا لجماعة‬
                               ‫وراء جيال طوروس شما ًل‬
‫نحو ثلاثة قرون‪ ،‬ولم يجتمع‬     ‫وغر ًبا في أراضي الأناضول‪،‬‬      ‫سياسية مصرية ابتغي أن‬
   ‫من بعد قط أي خط اتصال‬        ‫لولا أن وصل إلى معسكره‬        ‫يحقق استقلالها عن الدولة‬
                               ‫«المسيو كايه» مندوب وزير‬       ‫العثمانية‪ ،‬ومحمد علي كان‬
 ‫ثابت بين إستامبول ومصر‪،‬‬        ‫خارجية فرنسا يحمل إليه‬
    ‫ولا اجتمع قط من بعد ما‬      ‫كتا ًبا من محمد علي يأمره‬        ‫هو وأغلب رجال نخبته‬
   ‫يصل بين دمشق والقاهرة‬         ‫بالوقوف‪ ،‬فأطاع وتوقف‬          ‫الحاكمة في مصر من هذه‬
     ‫وجزيرة العرب على نحو‬        ‫وتدخلت إنجلترا وفرنسا‬       ‫الدولة العثمانية لغة وثقافة‬
                    ‫مستقر‪.‬‬                                    ‫وارتبا ًطا‪ ،‬بإطارها الفكري‬
    ‫ولكن ما يتعين أن نذكره‬         ‫وروسيا متحالفين م ًعا‬
                                 ‫لوقف محمد علي والدفاع‬             ‫السياسي المستمد من‬
‫لمحمد علي‪ ،‬أن فشل مشروعه‬       ‫عن السلطان الشاب الجديد‬         ‫المفهوم السياسي للجامعة‬
  ‫السياسي لم يأ ِت من داخل‬      ‫وبابه العالي الضعفاء‪ .‬ولما‬     ‫الإسلامية‪ ،‬ولم يكن أي ًضا‬
 ‫تجربته‪ ،‬ولا جاء من أسلوب‬       ‫حاول محمد علي أن يقطف‬       ‫داعية لفكرة عربية‪ ،‬إنما كان‬
                                 ‫بع ًضا من ثمار انتصاره؛‬        ‫يتصارع مع السلطان في‬
‫بنائه لدولته وجيشه‪ ،‬بمراعاة‬   ‫تجمعت سفن الحلف الغربي‬         ‫إطار الدولة العثمانية‪ ،‬وكان‬
    ‫معايير العصر الذي عاش‬     ‫أمام شواطىء الشام فتراجع‬
                              ‫محمد علي‪ ،‬وكان بعد ذلك ما‬         ‫صنيعه صنيع المتمردين‬
 ‫فيه والسياق التاريخي الذي‬     ‫كان من انعقاد مؤتمر لندن‬          ‫والثوار لا صنيع طلاب‬
   ‫عمل فيه‪ ،‬إنما جاء انكسار‬     ‫في سنة ‪ 1840‬وما فرضه‬        ‫الانفصال أو الاستقلال‪ ،‬كما‬
       ‫مشروعه من خارجه‪،‬‬          ‫على محمد علي من تصفية‬        ‫نفهم أن فوزي باشا عندما‬
     ‫وبموجب موازين القوى‬        ‫جيشه مع بقاء حكمه لمصر‬      ‫تحرك بأسطوله العثماني إلى‬
                                                               ‫الإسكندرية كان يعبر عن‬
‫الدولية التي فرضت أوضاعها‬          ‫ومن بعده ذريته‪ ،‬وكان‬      ‫دعمه للقوة العثمانية الثائرة‬
     ‫‪-‬بكل ما فيها من قسوة‬        ‫القصد من ذلك فيما عرف‬      ‫التي يمثلها محمد علي‪ ،‬وتنقل‬
                                  ‫تاريخيًّا‪ ،‬هو كسر وحدة‬         ‫إلينا مراجع التاريخ أن‬
 ‫وظلم‪ -‬على الواقع العالمي في‬     ‫هذه المنطقة‪ ،‬أي كسر خط‬        ‫الشعب التركي في أراضي‬
         ‫القرن التاسع عشر‬                                        ‫الأناضول كان يتعاطف‬
                ‫‪-------‬‬                                         ‫مع إبراهيم وجيشه ومع‬

‫* مكتبة كلية الآداب‪ ،‬جامعة‬
               ‫الاسكندرية‪.‬‬
   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250