Page 284 - merit 49
P. 284
العـدد 49 282
يناير ٢٠٢3 المجردة ،هما وجهان متباينان
للتعبير الموسيقى ذاته ،وهذا لا
من بدايتها البسيطة ،ونمت على مر في تعبيره ووظيفته وأسلوبه ،إلى يمنع وجود مؤلفات معينه تقف في
السنين حتى بلغت مستوى رفي ًعا فن شامل ذي صبغه إنسانية عامة،
من النضج والاكتمال .وقد ك َّرس هذا الطرف أو ذاك.
وثيق الصلة بالحياة وبالمجتمع ثم تحدث د.فؤاد زكريا عن علاقة
الكاتب أطول أجزاء هذا الكتاب، الإنساني الكبير.
وهو مقال بعنوان (مع الموسيقى.. الموسيقى بالغناء ،فأوضح أن
أما الجزء الخامس والأخير من الموسيقى هي التي اس ُت ِم َّدت من
في رحلة الحياة) ،لعرض هذه الكتاب وعنوانه الرئيسي “التعبير الغناء ،وبعد ذلك ظل فن الأنغام
التجربة. في الموسيقى الشرقية” ،فقد تناول مرتب ًطا بالغناء طوي ًل إلى أن ظهرت
الكاتب فيه بالتحليل السيكولوجي الآلات الموسيقية ،التي كان الغرض
أما بقية الكتاب فيتألف من مقالات والاجتماعي خصائص التعبير في منها مساعدة الصوت البشرى
ودراسات كتبت اثنتان منها -إلى أو تقويته أو تزيينه .وبعد تطور
جانب المقال الأول -للمرة الأولى الموسيقى الشرقية .وكشف عن دام طوي ًل بدأت الآلات تستقل
به ،ونشرت الأخريات في فترات الدلالة النفسية التي تتضمنها عن الغناء تدريجيًّا ،حتى أصبحت
موسيقى الآلات هي الأساسية عند
تمتد من عام 1952حتى عام العلاقة بينها وبين القومية المصرية الغرب؛ وإن كان فن الغناء لا يزال
،1971ثم أعاد الكاتب نشرها جمي ًعا ومدى تأثرها بالاضطهاد الطويل
الذي عاناه الشعب المصري. على ازدهاره.
مجتمعة في كتاب واحد .والمقالات والكاتب وضع في نهاية كتابه واستقلال موسيقى الآلات حتى
والدراسات جاءت تحت العناوين أس ًسا يراها كفيلة بتحرير التعبير اليوم هو في حد ذاته دليل كا ٍف
الموسيقي في الشرق من ضيق على أن الأنغام الخالصة ،دون أية
التالية: الأفق ،وتحقيق استقلاله الذاتي، كلمات مصاحبه ،هي وسيلة كافيه
الإيقاع بين الحياة والفن وربطه بتيار الحياة الصاعدة نحو
الحرية والعالمية. للتعبير.
علم الآثار الموسيقية وفي كتابه الثاني بعنوان “مع وفي هذا الجزء من الكتاب تناول
خواطر حول الموسيقى الشعبية الموسيقى -ذكريات ودراسات” رأى المؤلف الموسيقى ريتشارد
يفسر الكاتب تجربته الموسيقية فاجنر في قضية التعبير والمعنى
مستقبل الموسيقى في مصر التي لم تكن في شكل أي نوع من
الأساس العقلي للموسيقى الحديثة أنواع الاحتراف ،ولكنها تجربة في الموسيقى ،حيث يرى أن
محنة الموسيقى الغربية المعاصرة تعبير الموسيقى عام إلى حد بعيد،
معتمدة على ذاتها اعتما ًدا يكاد يكون فمعانيها لا تحدد في نطاق واضح
موسيقى وآلات وضجيج تا ًّما ،ولأنها تجربة نفس يغلب
وهذه المقالات والدراسات لم تأ ِت يدركه الذهن عن وعى ،بل هي
في الكتاب حسب ترتيب ظهورها، عليها حب العقل والمنطق وتميل إلى غامضة مبهمة ،تتسع لعديد من
بل إن الكاتب حاول ترتيبها بحسب الجانب الفكري في الأمور .ولأنها
التفسيرات والتأويلات.
الموضوعات التي تتناولها ،فهي تجربة طال أمدها حتى ليمكن القول أما الجزء الرابع من الكتاب فجاء
تقدم عر ًضا لجوانب من تاريخ إنها عاصرت حياته الواعية منذ تحت عنوان “التطور الموسيقى”،
الموسيقى في مراحله المختلفة من فقد لخص الكاتب موضوع التطور
العالم القديم إلى العالم الحديث إلى بدايتها ،فهي صفحات تحكى كيف
انتقل إنسان يعيش في بيئة شرقية هذا من حيث قدرتها التعبيرية
العالم المعاصر. خالصه إلى حب الموسيقى العالمية ووظيفتها وأسلوبها في عبارة
ويهدف الكاتب إلى إلقاء الأضواء وفهمها فه ًما واعيًا بجهوده الذاتية واحدة ،وهي أن الموسيقى قد
وحدها ،وكيف احتل ف ٌّن كالموسيقى سارت تدريجيًّا في طريق طويل،
على مشكلات أثيرت في مراحل تحولت فيه من فن ذي نطاق ضيق
متباينة من تاريخ هذا الفن ،من مكانة في نف ٍس تبدو وكأنها لا
خلال مقالات ودراسات هذا الكتاب. تعترف إلا بما يوزن بميزان العقل
رحم الله المفكر والفيلسوف د.فؤاد الدقيق ،وكيف تطورت هذه التجربة
زكريا