Page 27 - merit 50
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                     ‫تحفظ الريح ولا الرمل وعى‬                                        ‫بخط ِه الجمي ِل‬
                         ‫لم تزل ليلى بعيني طفل ًة‬                                   ‫وأناق ِة الرسائ ِل‬
                                                                               ‫ذا ِت الروائ ِح المثيرة‪.‬‬
                       ‫لم تزد عن أمس إلا إصبعا‬      ‫من خلال هذا العرض قد يكون نادي حافظ محق ًقا‬
      ‫وأحسب أنه يجب على القارئ ألا يكون شديد‬         ‫لنوع من الوحدة؛ لا على مستوى المشاعر والفكر‬
     ‫الرفض لقراءة الصورة في قصيدة (نثرية) في‬       ‫فحسب‪ ،‬ولكن من خلال وحدة الأدوات والتكنيكات‬
     ‫مقارنتها بالصورة في شكل تقليدي‪ ،‬فالاختيار‬       ‫السردية المستخدمة بأبعادها المتعددة التي قدمت‬
 ‫البارع لعناصر الصورة وتفاصيلها في نص نادي‪،‬‬         ‫مشاهد مرتبة على نحو أنتجت تراب ًطا ‪-‬بشكل ما‪-‬‬
  ‫من رسائل أنيقة وعناوين عشوائية والوردة التي‬             ‫كان له أن يحدث لو أنها رتبت بشكل آخر‪.‬‬
 ‫في النهر تقتل بجمالها الحيبة الذائبة‪ ،‬وما حمل كل‬     ‫لكن هذا لا يعني أن الملامح السردية قدمت بلغة‬
    ‫ذلك من الإيحاءات الفنية‪ ،‬هو الذي جنبها خطر‬        ‫نثرية‪ ،‬بل إنها لغة بكر تحارب الابتذال اليومي‪،‬‬
‫الوقوع في المجاز‪ ،‬دون تحطيم للترابط المنطقي لهذه‬        ‫فاستخدام (نسخة منها بالكربون) مث ًل‪ ،‬التي‬
 ‫العناصر‪ ،‬وهي من سمات التصوير عامة في شعر‬          ‫وردت في المقطع الثاني‪ ،‬ليس من باب التشبيه الذي‬
  ‫نادي‪ ،‬كما تبدى في نصوص الديوان الأخرى على‬           ‫يوظف في الاستخدام اليومي‪ ،‬وإنما للإعلان عن‬
‫أغلبها‪ ،‬ففيها من الصور ما تجنب المجاز‪ ،‬لكنه كذلك‬                           ‫استحالة أن يحب بعدها‪.‬‬
                                                     ‫إن الخيال الموظف هنا هو من النوع الذي لا يقف‬
                             ‫بريء من التقريرية‪.‬‬     ‫عند ملامح العالم كما هو في الواقع‪ ،‬بل إنه يحول‬
   ‫ليس معنى ذلك أن شاعرنا يسعى لتجاوز النوع‬        ‫هذا الواقع إلى عالم شعري تحكمه قوانينه الخاصة‬
   ‫بتقاربه مع فن الرواية‪ ،‬وهو‪ ،‬حتى في موسيقاه‪،‬‬     ‫اعتما ًدا على صور غير مجازية بالطبع‪ ،‬ولا غامضة!‬
  ‫بعيد عن هذا‪ ،‬بل أحسبه يحاول أن يحتفظ للشعر‬         ‫ولكنها صور مشعة بالإيحاءات على نحو ما نجد‬
    ‫بخصوصيته ويعيد له ما سلبته الموسيقى منه‪،‬‬        ‫في قول (شوقي) في مسرحية (مجنون ليلى) حين‬
    ‫حين يستخدم الشكل النثري متخليًا عن أشكال‬            ‫يقول على لسان (قيس) مخاطبًا جبل التوباد‪:‬‬
 ‫الموسيقى الموروثة بعامتها‪ ،‬ساعيًا لتحقيق ذلك من‬                          ‫فيك ناغينا الهوى في مهده‬
 ‫خلال نحت سرد شعري مغاير لكثير مما أُ ُلف من‬                               ‫ورضعناه فكنت المرضعا‬
                                                                            ‫وعلى سفحك عشنا زمنًا‬
                               ‫أشكاله في شعرنا‬                                ‫ورعينا غنم الأهل معا‬
                                                                         ‫وحدونا الشمس في مغربها‬
                   ‫الهوامش‪:‬‬                                                   ‫وبكرنا فسبقنا المطلعا‬
                                                                             ‫هذه الربوة كانت ملعبًا‬
    ‫‪ -1‬علي عشري زايد‪ ،‬عن بناء القصيدة العربية‬                                ‫لشبابينا وكانت مرتعا‬
  ‫الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة دار العلوم‪ ،‬ط ‪،1979 ،2‬‬                          ‫كم بنينا من حصاها أرب ًعا‬
                                                                            ‫وانثنينا فمحونا الأربعا‬
                                      ‫ص‪.300‬‬                              ‫وخططنا في نقى الرمل فلم‬
‫‪ -2‬انظر‪ ،‬مرسل العجمي‪ ،‬السرديات مقدمة نظرية‬

   ‫ومقتربات تطبيقية‪ ،‬الكويت‪ ،‬مكتبة آفاق‪،2011 ،‬‬
                              ‫ص‪ 68‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪ -3‬نادي حافظ‪ ،‬كرسي شاغر‪ ،‬الكويت‪ ،‬دار مسعى‬
                 ‫للنشر والتوزيع‪ ،2011 ،‬ص‪.59‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32