Page 101 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 101
99 إبداع ومبدعون
قصــة
جنين أخاه؟ قال دون أن ينظر إل َّي :نعمُ ،ثلث البشر أن أعطيته كل ما لد َّي من حليب الغنم وبعض البيض
يفعلون ذلكُ .ثلُث البشر؟! أسأله بتعجب وهو لا الطازج.
يزال ينظر إلى أوراقي و ُيعلِّم بقلم على موعد جرعة كيف تقول مثل هذا الكلام لطفل لم يبلغ العاشرة؟
الدواء القادمة ،قال وهو غير منتبه إل َّي :هذه حالة اقترب ْت مني وقالت افرد ذراعيك ،ففعلتَ ،ح َّملتني
برمي ًل مليئًا بالماء ووقف ْت تتأملني من بعيد ،ألم أقل
مشهورة واسمها ،chimeraثلث البشرية روحان في لك يا بيرلو ،هل يمكن لطفل في مثل ُعمرك أن يحمل
ما ينوء به رجل؟ أنت اثنان ،صدقني .بالطبع كنت لا
شخص واحد ،وهذا الثلث هو الذي ُيخرج العباقرة أصدقها ،لكن بعد أن هربت أمي وعادت إلى عائلتها،
إلى هذه الحياة .ثم أجرى قلمه على ورقتي الطبية اختفت من المشهد وأصبح ُت بلا أمُ ،عد ُت أفكر فيما
قالته منذ سنوات ،أسمع دق قلبي يرتفع فجأة ،ليس
مرتين وانصرف. بسبب التعب والإرهاق ،لكن لسماع صوتها ،الصوت
لم يكن سواها أمامي ،طلبت من ليلى ُكتبًا تشرح لي فقط يغريني ،أما الكلام المكتوب ،فهو مجرد اختراع
تلك الظاهرة ،وبالفعل جاءت تحمل إل َّي بعض المراجع
بسيط ،لا يكتمل إلا بالنطق.
باللغتين الإنجليزية والروسية ،لكن كتا ًبا واح ًدا
باللغة المصرية القديمة شرح الموضوع بطريقة ***
واضحة .خلاصتها أن كلام الطبيب الذي َم َّر بي فيما الممرضة ُتفرغ فضلات معدتي من ثقب في
صحيح وعلمي ،رأس أسد وجسد شاه وذيل أفعى، جنبي ،لمح ُت ورقة ملقاة على السرير ،مطوية ويبرز
تقول الأساطير ،من السهل ج ًّدا أن يصبح الإنسان طرفها من تحت الوسادة :مستر بيرلسكوف ،لقد
الواحد روحين ،يقول العلم ،وقد كان من الغريب أن عد ُت إلى المعمل وبدأت في ترميم الجزء المُهدم،
يجمع موضوع واحد بين العلم والخرافة. سيدب النشاط في أجهزة المعمل خلال شهر على
قلَّت شهيتي للطعام حتى تلاشت ،فأجل ُت تفكيري أقصى تقدير ،مودتي .كانت تلك الرسالة من الطالبة
في أنني اثنان ،بيرلسكوف المنقسم على نفسه ،وبدأت
المصرية «ليلى».
أفكر في الواقع الفعلي ،الذي يقول إنني أصبح ُت بعض الشواهد تقول إن ما تبقى مني سيعاود
شخ ًصا واح ًدا يتعارض إحساسه دائ ًما بين الواقع المرور على الحياة من جديد ،لكن رغم ذلك طلب ُت
من الممرضة كشكو ًل كبي ًرا وقل ًما ،أخذت أد ِّون ما
والخيال. تجود به الذاكرة ،كلما شعر ُت أنني على وشك اليأس
تع َّرق بعد أن نطق بتلك الكلمات ،ثم صمت تذكرت حكاية من حكايات أمي الهاربة ،أضم ما
وراح في الغيبوبة مرة أخرى ،فطلب الطبيب من أتذكره من سيرتها وأدمجه مع آخر ما توصل ُت إليه
الممرضة ألا يوقظه أحد ،واقترب من ليلى ،الطالبة في أبحاثي ،كانت الحكايات تضيء لي الطريق أحيا ًنا،
المصرية الوحيدة في معمل بيرلسكوف ،وسألها، فلا أدري هل استطع ُت حمل البرميل لأنني ابتلعت
كيف أمكنك أن تعبري به كل تلك المسافة ،من أخي ،أم لخوفي من الإحراج أمام أمي؟ ولا أعرف
موسكو إلى القاهرة؟ فقالت ليلى :إن شي ًئا غام ًضا أي ًضا ،هل لو حدث ذلك سأكون مذنبًا ،وماذا لو كان
هو الذي يحدد تصرفات البشر ،وليس الكلام
الذي نقوله .فتركها الطبيب واتجه مرة أخرى هو الذي ابتلعني وأصبح ُت تاب ًعا له؟
إلى الممرضة وقال :الآن أصبحتما ممرضتين لهذا كانت هذا الفكرة بالطبع على قدر كبير من المغالاة،
المسكين ،أن ِت وتلك الفتاة .وأشار باس ًما إلى ليلى.
مد ْت الممرضة يدها إلى الطبيب ببعض المتعلقات لذلك فلن أتوقف أمامها طوي ًل .بدأ ُت أكتب في
وقالت :تلك الأشياء كانت تحت مخدته ،وجدتها الكشكول الكبير عن كل الأصوات التي تتجول في
أثناء إراحته على السرير ،كانت عبارة عن رأسي ،لا أملك إلا كتابتها .وفيما أنا أسجل صوت
مخلوط أسود ناشف في كيس ،موضوع بين يعبرني استوقف ُت طبيبًا م َّر وهو ينظر في بياناتي
نسخة من الإنجيل ونسخة من المصحف وبرواز الطبية المُعلَّقة في السرير ،سألته ،هل يمكن أن يبتلع
صغير يحيط برسمة زيتية لطاووس.