Page 103 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

   ‫كان ديالكتيك آخر‪ ،‬مخال ًفا‪ ،‬مواصلة خفية لخلود‬     ‫أن يتركاه لهذا المصير‪ ،‬وتملكني شعور بأني شريك‬
    ‫الجدل بمعناه القديم‪ .‬لم يبق على الأرض سوى‬                                            ‫فيما يحدث‪.‬‬

  ‫أردية مهلهلة‪ ،‬كانت ملقاة فارغة‪ ،‬لا شيء داخلها‪.‬‬      ‫كانت هذه المخلوقات تقترب‪ ،‬خطوة بعد أخرى‪ ،‬ثم‬
     ‫فانقضت هذه الوحوش عليها‪ ،‬وجعلت تنهشها‬             ‫تتراجع عند نقطة معينة‪ ،‬لا تستطيع تجاوزها قيد‬
     ‫وهى ثائرة‪ .‬وتحت سطوة هذا الاهتياج القاتل‬        ‫أنملة‪ .‬بدأ ذلك واض ًحا في اهتياجها المرعب‪ ،‬وعجزها‬

‫والشعور بالخديعة‪ ،‬استدارت تلتهم بعضها بع ًضا‪،‬‬                ‫حيال هذا الحاجز اللامرئي‪ ،‬المحيط بالولد‪.‬‬
  ‫بشراسة مروعة‪ ،‬عبر صراع مشروط بالتلاشي‪،‬‬                    ‫كنت أتابع ما يدور‪ ،‬آم ًل في انبعاث معجزة‪،‬‬
                                                      ‫فالطريق مقفر‪ ،‬وفكرة النزول وحدي تعد مجازفة‪،‬‬
‫والإبادة الكاملة‪ ،‬باستثناء كائن وحيد ظل واق ًفا بعد‬  ‫تسمرت عاج ًزا‪ ،‬أشاهد هذا الصراع الضاري‪ ،‬المثير‬
   ‫هذه المعركة‪ ،‬لم ينصرف من مكانه‪ ،‬حتى يهضم‬          ‫للفزع‪ ،‬وتمنيت في هذه اللحظات امتلاك قوة خارقة‪،‬‬
                                                      ‫ربما أمدتني بالشجاعة اللازمة‪ ،‬فأنا أعرف نفسي‬
 ‫ما التهمه‪ ،‬ويراقب أشياء لم أكن أراها جي ًدا‪ ،‬أشياء‬     ‫جي ًدا‪ ،‬أعرف أني سأظل رهين حالة من الشعور‬
                ‫تحوم في المجهول والعتمة الكاملة‪.‬‬
                                                                      ‫بالذنب والإحساس المرير بالندم‪.‬‬
    ‫بعد اطمئناني على الصغير‪ ،‬وارتياحي لما حدث‪،‬‬          ‫كنت مكتوف اليدين‪ ،‬معذ ًبا بهذا التخاذل‪ ،‬أود لو‬
 ‫فكرت في غلق النافذة‪ ،‬ولكني فوجئت‪ ،‬مرة أخرى‪،‬‬            ‫أستغيث بالعالم‪ ،‬وأصرخ عاليًا‪ ،‬أوقظ كل البشر‪،‬‬
‫بالمرأة والرجل‪ ،‬ودهشت لعودتهما في هذه اللحظات‬
 ‫التي لم أكن مهيَّأً فيها لأى مفاجأة‪ ،‬فقد كان ذهني‬        ‫انعقد لساني‪ ،‬ولم أعد قاد ًرا على النطق‪ ،‬فقدت‬
 ‫شار ًدا‪ ،‬وفقدت قدرتي على المتابعة‪ ،‬فقررت العودة‬       ‫القدرة على الفعل وأنا أنظر من النافذة‪ ،‬مضطر ًبا‪،‬‬
‫إلى النوم‪ ،‬والدخول مجد ًدا في ثنايا الحلم‪ ،‬لاستكمال‬  ‫كشاهد إثبات على عجزي المهين‪ ،‬لا أدري ما العمل‪.‬‬

       ‫ما سيحدث‪ ،‬بهدوء‪ ،‬وبأعصاب غير متوترة‪.‬‬                 ‫كانت لحظات عصيبة‪ ،‬تمر ببطء‪ ،‬لا تريد أن‬
                                                        ‫تنقضي‪ .‬أحبطني فيها عدم عودة المرأة والرجل‪،‬‬

                                                            ‫لقد مضيا‪ ،‬مختفيين عن العالم بأكمله‪ ،‬كنت‬
                                                       ‫أنتظر عودتهما‪ ،‬طوافهما حول المكان مرة أخرى‪،‬‬

                                                           ‫كمجرمين يريدان الاطمئنان على دقة عملهما‪،‬‬
                                                           ‫ومراقبة ما يحدث‪ ،‬لكن لا شيء‪ ،‬لا أثر‪ ،‬فقط‪،‬‬
                                                     ‫صراع ضاري‪ ،‬يجرى على مقربة مني‪ ،‬حتى توقف‬
                                                         ‫ذهني عن إيجاد حل للخروج من هذا الكابوس‪.‬‬

                                                                    ‫لم يكن هناك جديد حتى أضيف إلى‬
                                                                      ‫المشهد عنصر آخر‪ ،‬ولاحت نقطة‬
                                                                       ‫ضوء في الظهور‪ ،‬احتل الأبيض‬
                                                                           ‫موقعه في مواجهة الأسود‪،‬‬
                                                                           ‫ظهر رجل بملابس بيضاء‪،‬‬
                                                                          ‫لم يثر ظهوره أية بادرة لدى‬
                                                                          ‫هذه المخلوقات‪ ،‬لم تشعر به‪،‬‬
                                                                             ‫ولم تره أي ًضا وهو يلتقط‬
                                                                            ‫الولد ويخلع عنه ملابسه‪،‬‬
                                                                        ‫ملقيًا بها فوق الأرض‪ ،‬ليستره‬
                                                                     ‫بعدها بثياب أخرى ناصعة‪ ،‬كانت‬
                                                                       ‫لا تبصر شيئًا‪ ،‬لا ترى انسحاب‬

                                                                ‫الطفل من المشهد‪ ،‬واختفاءه مع الرجل‪.‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108