Page 149 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 149

‫‪147‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫الفلسفي) الحاضرة في تصوره‬            ‫غير محاولة محكومة بالضرورة‬         ‫علم الكلام أو علم العقائد أو أصول‬
   ‫للاهوت الإسلامي بعد تجديده‪،‬‬         ‫باستعادة «الجرم» السياسي الذي‬             ‫الدين‪ ،‬أي اللاهوت الإسلامي‪.‬‬
                                      ‫بني عليه العلم تاريخيًّا‪ ،‬وهو تجديد‬
       ‫وهو ما يعود بنا إلى مرحلة‬         ‫النزاع على السلطة‪ ،‬خصو ًصا أن‬           ‫لاهوت التكفير‬
     ‫يمكن وصفها نظر ًّيا بالبدائية‪،‬‬   ‫«الصعيدي» الذي كان منتميًا لحزب‬
   ‫تجاوزها علم اللاهوت المسيحي‬         ‫الوفد لم يكن يعترف بفصل الدين‬           ‫يرجع الشيخ الصعيدي الخصام‬
     ‫الأكثر تطو ًرا على سبيل المثال‪.‬‬   ‫عن الدولة إلا كإجراء مؤقت ريثما‬        ‫والعداء الذي دب بين فرق العقائد‬
    ‫فالصعيدي يعتبر أنه على رأس‬          ‫تجري استعادة الوحدة‪ ،‬في رؤية‬        ‫الإسلامية (السنة والشيعة والمعتزلة‬
     ‫مهام اللاهوت (أصول الدين)‬                                                 ‫والخوارج والمرجئة وخلافه) إلى‬
   ‫الرد على «الشبهات الجديدة ضد‬           ‫شبه مقلوبة لمسار تطور الدولة‬         ‫التوظيف السياسي الذي عمد إلى‬
 ‫العقيدة الإسلامية»‪ ،‬وهي «شبهات‬        ‫التاريخي‪ ،‬تجعل من الدولة الدينية‬        ‫ترسيم عقائد على حساب عقائد‪،‬‬
  ‫الملاحدة أو الدهريين»‪ ،‬واستخدام‬
  ‫لفظ «شبهات» التقليدي والعدائي‬          ‫مستقب ًل للدولة العلمانية وليس‬         ‫وتفضيل مذاهب على أخرى‪ ،‬مع‬
     ‫يستعيد ليس الطبيعة الجدلية‬                               ‫العكس!‬            ‫اضطهاد المخالفين والمعارضين‬
  ‫الشكلية التي ارتبطت بعلم الكلام‬                                            ‫سياسيًّا على أسس فتاوى تكفيرية‪،‬‬
  ‫الإسلامي تاريخيًّا‪ ،‬وإنما يستعيد‬       ‫يتفاقم التعقيد إذا أضفنا إلى ذلك‬      ‫لكنه يهمل في نفس الوقت أصول‬
  ‫مع ذلك ظروف نشأته الصراعية‬             ‫اقتران دعوة توحيد المذاهب عند‬           ‫النشأة السياسية لهذه الفرق‪،‬‬
  ‫وهو الأخطر‪ ،‬وفض ًل عما في ذلك‬          ‫«عبد المتعال الصعيدي» بالعنف‬          ‫أي تفرقها منذ النشأة على أسس‬
   ‫من جمود جوهري كرس الشيخ‬                                                       ‫سياسية‪ ،‬وعلى قاعدة الصراع‬
 ‫«الصعيدي» فكره المستنير وحياته‬            ‫المعهود لدى السلطات الدينية‪،‬‬        ‫السياسي على السلطة‪ ،‬ومحاولة‬
  ‫لمواجهته ولاقى منه الأمرين‪ ،‬وفي‬        ‫متمثلة في دعوته إلى «قبر الكتب‬         ‫كل فرقة لاح ًقا تقنين شرعيتها‬
‫ذلك ما فيه من غياب نظرة التجاور‬       ‫المتدابرة المتقاطعة في العقائد»‪ ،‬وهو‬
 ‫التعددية للأبنية الدينية واللاهوتية‬    ‫ما لا يعد من وجهة علمية حفاوة‬             ‫السلطوية بالكتاب والسنة أو‬
    ‫في الأديان المختلفة‪ ،‬وإنكار لكل‬       ‫بالتعدد وتثمينًا للاختلاف‪ ،‬إنما‬      ‫بحيازتهما لصالحها‪ ،‬مع حرمان‬
‫إمكانيات التجاور والتلاقح والمثاقفة‬
 ‫والاستفادة العلمية والمنهجية فيما‬         ‫هو أقرب إلى السياسة القمعية‬             ‫الآخرين في نفس الوقت من‬
 ‫بينها‪ ،‬واختصار ذلك كله إلى علاقة‬     ‫التي انتقدها «الصعيدي» بنفسه في‬           ‫الشرعية الدينية بالتكفير‪ ،‬ومن‬
   ‫جدل لاهوتي ومنافرة دفاعية لا‬
    ‫يخفى جذرها الضارب في تربة‬           ‫التاريخ الإسلامي‪ ،‬بد ًءا من حرق‬           ‫الشرعية السياسية بالملاحقة‬
  ‫الصراع السياسي السلطوي‪ ،‬ولا‬             ‫المصاحف في صدر الإسلام إلى‬         ‫والاضطهاد‪ .‬الأمر الذي ترتب عليه‬
  ‫طائل من وراء ذلك بكل تأكيد في‬         ‫حرق كتب ابن رشد في الأندلس‪،‬‬
  ‫«علوم» تؤسس ابتدا ًء على الإيمان‬       ‫وحتى حرق كتب الغزالي السني‬           ‫أن استعادة علم الكلام (اللاهوت‬
    ‫والتسليم الحدسي لا العقلي أو‬         ‫الأشعري نفسه في المغرب‪ ،‬وهي‬           ‫الإسلامي) لحيويته ظل مرهو ًنا‬
 ‫البرهاني بالمعنى الفلسفي الحديث‪.‬‬                                           ‫عبر التاريخ الإسلامي بتجدد النزاع‬
‫ينطبق ذلك الذي تناولناه بخصوص‬         ‫ممارسة ذات أبعاد مريرة في تاريخ‬
 ‫تصورات «الصعيدي» لتجديد علم‬           ‫المسلمين‪ ،‬سببت «قبر» نتاج علمي‬            ‫السياسي وصراعات السلطة‪.‬‬
    ‫التوحيد على تناوله لقضايا مثل‬      ‫قيِّم للمعتزلة والخوارج والفلاسفة‬        ‫وهو ما يؤكده الصعيدي بقوله‪:‬‬
 ‫رفض الإجماع كآلية فقهية لإنتاج‬
    ‫الأحكام والالتجاء إليه في بعض‬        ‫وغيرهم‪ ،‬ولم يكن وراء ذلك كله‬             ‫«عمل أصحابه على أن يقيموا‬
‫القضايا‪ ،‬والسعي إليه في مستويات‬          ‫سوى الهدف الذي لا يدرك أب ًدا‬         ‫الخصومة فيما بينهم على أساس‬
                                        ‫على أنقاض الفكر‪ :‬تحقيق الوحدة‬         ‫الدين لتكون خصومة مشروعة لا‬
                                                                             ‫إثم فيها‪ ،‬بل يثاب أصحابها عليها‪،‬‬
                                                           ‫الإسلامية!‬         ‫وكان نتيجة هذا أنهم ضيقوا أمر‬
                                      ‫الأكثر إيغا ًل في التناقض الإصلاحي‬       ‫العلم»‪ ،‬وفي هذه الحالة قد لا تعد‬
                                                                              ‫محاولة استعادة «العلم العقائدي»‬
                                         ‫أو في التناقضية الإصلاحية عند‬
                                          ‫الشيخ «عبد المتعال الصعيدي»‬             ‫على أساس الوحدة الإسلامية‬
                                          ‫يأتي من الطبيعة الدفاعية (غير‬         ‫بالتقريب بين المذاهب العقائدية‬

                                             ‫الفلسفية أو الجدلية بالمعنى‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154