Page 146 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 146

‫العـدد ‪33‬‬                          ‫‪144‬‬

                                       ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

                                          ‫عصام الزهيري‬

‫“العمامة المستنيرة”‪..‬‬
‫ومأزق العقل الإصلاحي‬

     ‫الإصلاحي الإسلامي لو ًنا من‬         ‫يحد من صلاحية التأسيس عليها‬            ‫لعل أهم مأزق وقعت فيه‬
  ‫ألوان الجري على المقولة الشعرية‬      ‫لحداثة عصرنا ومجتمعنا ومعارفنا‪،‬‬
                                        ‫ويؤكد ضرورة تأسيس مشاريعنا‬             ‫محاولات الإصلاح الديني منذ‬
     ‫«داوني بالتي كانت هي الداء»‪،‬‬                                             ‫الأستاذ الإمام «محمد عبده» في‬
  ‫والداء هو النزعة السلفية بالعودة‬       ‫التجديدية في قراءة التراث والفكر‬  ‫نظر خصومها كان الوقوع في هوة‬
 ‫والاقتباس من الماضي‪ ،‬في محاولة‬           ‫الديني على منطلقات مستمدة من‬        ‫التناقض‪ ،‬عبر محاولة التوسط‬
 ‫لتحويل النزاع الحدي بين اتجاهين‬        ‫ظروف واقعنا الحالي وعلى أساس‬          ‫في النزاعات الفكرية الحدية بين‬
                                         ‫ما حققه العقل الحديث من تراكم‬
       ‫فكريين مفترضين إلى عملية‬                                                ‫ثوابت العقل الديني (جموده)‬
 ‫تفاوضية‪ ،‬تدرأ في مخطط الإصلاح‬                    ‫منهجي علمي ومعرفي‪.‬‬         ‫وبين متغيرات الواقع (حيويته)‪.‬‬
                                         ‫يعني ذلك أن «إجراءات تحديثية»‬        ‫المحاولة الإصلاحية تتخذ دائ ًما‬
   ‫نزعة الاستئصال لدى المتنازعين‬          ‫قديمة مثل عقلانية المعتزلة التي‬  ‫من «فض النزاع» منطل ًقا ثابتًا لها‪،‬‬
     ‫من جهة‪ ،‬وتفتح الباب لتجديد‬                                               ‫وتنظر لذاتها كآلية عملية لفض‬
                                             ‫قدمت العقل على النقل‪ ،‬ومثل‬      ‫الاشتباك أو كـ»وسط ذهبي» في‬
  ‫العقل الديني طبقا لمتغيرات الواقع‬     ‫مقاصد الشريعة الخمسة التي تعد‬         ‫الموقف منه‪ ،‬وتجعل من العودة‬
        ‫الاجتماعي من جهة أخرى‪.‬‬         ‫جوهرية في تفعيل الأحكام الشرعية‬       ‫إلى إجراءات أو منطلقات حداثية‬
       ‫هذه السمة التوفيقية العملية‬     ‫عند «الشاطبي»‪ ،‬ومثل مبدأ المصلحة‬      ‫في التراث استراتيجية ثابتة لها‪،‬‬
       ‫للإصلاح الديني بين التراث‬                                              ‫بغض النظر عن كون المنطلقات‬
                                           ‫المقدم على حرفية أحكام الشرع‬      ‫الحداثوتراثية أو التراثوحداثوية‬
     ‫والحداثة‪ ،‬الأصالة والمعاصرة‪،‬‬       ‫عند «نجم الدين الطوفي»‪ ،‬رغم أنها‬
       ‫القديم والحديث‪ ،‬الإسلامي‬         ‫تنتمي لسياقات مجتمعية ومعرفية‬          ‫كانت إفرا ًزا لواقعها التاريخي‬
                                                                            ‫وبنت سياقها المجتمعي الغابر ذي‬
     ‫والعلماني‪ ،‬هو ما يوصم غالبًا‬           ‫تاريخية‪ ،‬وتستبعد بالضرورة‬      ‫الخلفيات والمعارف المغايرة‪ ،‬مما قد‬
  ‫بالتلفيق عندما لا تتوفر له الرؤية‬      ‫منهجيات ومعارف الفكر والعلوم‬
‫النظرية (اللاهوتية) الشاملة‪ ،‬وكثي ًرا‬    ‫الإنسانية الحديثة‪ ،‬تمثل في الفكر‬
   ‫ما نرى هذا‪ ،‬وعندما لا تتوفر له‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151