Page 150 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 150
العـدد 33 148
سبتمبر ٢٠٢1
إلى أقصى درجات الاستمتاع في مرة أخرى. أخرى ،ومثل تصوره لعلاقة الدولة
مجال التسليح على الأقل والتزود من الوجهة الفكرية يعرف د.أحمد بالدين (وقد أشرنا إليه في السابق
جزئيًّا) ،والدين بالسياسة والمجال
بأحدث منتجاته .بالمثل يصعب سالم في مقدمة الكتاب «النخبة العام ،وهو ما يسهم في المحصلة
تصور وجود العلماني الذي يريد أن العلمانية» بأنها« :تريد للمجتمع
أن يعيش في حاضره ،وأن يتمتع في إنتاج حديث مرير عن غربة
يكسر تأثير الدين في حياة الأفراد، بمنجزات الحضارة الحديثة ،وأن المصلحين والمجددين في عالمنا
فالدين قبل أن يكون عقيدة هو جزء يتخلى عن موروثه القديم ،ذلك الإسلامي الذين تحاصرهم جحافل
الموروث الديني الذي يرونه سببًا الجامدين ،وهي شكوى المصلحين
من ثقافة المجتمع التي يتشاطرها للجمود والتخلف» .أما «النخبة في داخل قلعة الجمود ليس سواهم،
أفراده ،وسواء كان العلماني الإسلامية» فهي على النقيض من لأن التاريخ لم يعرف نجا ًحا لجهود
الإصلاح والتجديد الديني لم
مؤمنًا او ملح ًدا فهو كفرد جزء الوصف السابق تريد تكريس تفرضها قوانين وسلطات التغيير
من مجتمعه ،وموقفه من الدين هو الموروث الديني وتحلم باستعادة الاجتماعي على المؤسسات الدينية في
بالتالي جزء من خيار ثقافي فردي سائر المجتمعات ،فلم تكن الأخيرة
داخل إطار موقف ثقافي عام ،اللهم الماضي ،وتستغلهما -الموروث عبر التاريخ غير قلاع للجمود
إلا لو بلغ بنا التجريد حد افتراض والحلم -في السيطرة على المجال والتسلط ،وهو ما نال المجدد «عبد
وجود إمكانية لمجتمع تخلو ثقافته العام والفضاء الاجتماعي والهيمنة المتعال الصعيدي» جانبًا من أذاه،
من الدين ،وهي الحالة الوحيدة التي عليهما والانفراد بهما ،وهو ما وما يثبت من جهة أخرى جدوى
يمكن أن ينكسر فيها تأثير الدين افرز تعصبًا علمانيًّا لا يقل عن وأهمية استمرار النقاش العام حول
في حياة الأفراد مهما كانت درجة تعصب الإسلاميين ،جعل العلمانيين الإصلاح والتجديد الديني ،مهما
إيمانهم ،الأمر الذي لم يحدث منذ لا يفرقون بين رغبتهم في كسر ارتفعت حرارته وح َّدته أحيا ًنا،
شوكة النخبة الإسلامية وكسر ومهما بدا من كونه نقا ًشا محتد ًما
فجر التاريخ البشري. تأثير الدين في حياة الأفراد .وقد بين معسكرين واضحين يسميهما
فض ًل عن هذا التجريد الذهني الذي لا تكون هناك حاجة إلى نقد هذا الكتاب :علمانيين وإسلاميين.
لا يعدو في تقديري تجري ًدا بغرض التصور التجريدي إلى أبعد الحدود،
البحث ،لا يجب أن نغفل عن أهمية فلا وجود في تقديري لإسلامي لا من هم العلمانيون؟
يريد التمتع بمنجزات الحضارة
قراءة الجذور والقوى والمصالح الحديثة ،بل ولا يريد التمتع بها أليس وارا ًدا -في ضوء النقاش
الاجتماعية التي تمثلها أيديولوجية السابق -أن يكون النزاع الذي
يسعى الإصلاحيون إلى التوسط
تلك النخب الفكرية علمانية كانت فيه نزا ًعا وهميًّا؟ هذا الأمر على
أو إسلامية ،فليس من المعقول أن غرابته البادية جائز للغاية في
هذه النخب «الفكرية» منفصلة عن نظري ،فالصراع الذي يصفه الكتاب
سياق التركيب الاجتماعي بتطوره بين العلمانيين والإسلاميين يلح
التاريخي وتأثير صراعات المصالح في طرح سؤال عن تعريف ناجز
والتوازنات والقوى فيه ،وهو ما للعلمانيين والإسلاميين من الجهة
يرجح حضور طيف متداخل من الفكرية مرة ،وطرح التساؤل
الانحيازات الأيديولوجية المتنوعة حول هويتهم الاجتماعية المغيبة
تما ًما سواء عند المجدد عبد المتعال
مهما بلغت درجة الاستقطاب الصعيدي أو المفكر د.أحمد سالم
بداخله .ولا شك أن هذا السياق
الاجتماعي المركب هو بذاته وبدرجة
تطوره وباحتياجه للتحديث يمثل
الخلفية التي يطرح على أساسها هذا
الاحتياج الملح للإصلاح والتجديد
الديني