Page 257 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تاريخ‬

  ‫حملة الأعلام وضاربو الطبول‪،‬‬        ‫والعتاد‪ ،‬من رماح وبلط وأقواس‬       ‫يدعي (واع شي)‪ ،‬أو كما يسمونه‬
     ‫ونافخو الأبواق‪ ،‬وكان الملك‬         ‫وسهام‪ ،‬ولم يعد ينقصهم إلا‬          ‫في بعض الأحيان (واش)‪ ،‬كان‬
                                                                          ‫أمي ًرا لمقاطعة الخطاف‪ ،‬ثم اتخذ‬
   ‫مينا يسير على رأس جيشه في‬        ‫إشارة من الملك لينطلقوا كالأسود‬
    ‫عظمة وجلال‪ ،‬مرتد ًيا ملابس‬       ‫الكواسر‪ ،‬يحطمون الحكم الفاسد‬       ‫لنفسه الألقاب الملكية‪ ،‬ووضع على‬
   ‫الحرب‪ ،‬وقد حمل في يده بلطة‬                                           ‫رأسه التاج الأحمر‪ ،‬الذي كان على‬
 ‫ثقيلة الوزن‪ ،‬بينما كان يرد بيده‬      ‫في الشمال‪ ،‬ويرفعون عن كاهل‬
  ‫الأخرى على جموع شعبه الذي‬             ‫إخوانهم نير الظلم والطغيان‪،‬‬        ‫شكل هاون أحمر اللون‪ ،‬يعلوه‬
   ‫احتشد على جانبي الطريق من‬                                             ‫من الخلف قضيب عمودي غرس‬
    ‫الصباح الباكر‪ ،‬ليحيي قائده‬      ‫ويبسطون سلطانه على بلاد الدلتا‬
     ‫البطل‪ ،‬وجيشه المظفر‪ ،‬الذي‬        ‫في الشمال‪ ،‬ويضعون على رأسه‬           ‫فيه عند منبته عود مائل ينتهي‬
  ‫خرجت جحافله إلى أكرم غاية‪،‬‬                                                 ‫بالتفاف حلزوني‪ ،‬ويعتقدون‬
‫وأنبل قصد‪ ،‬لتطهر أرض الشمال‬         ‫التاج المشترك‪ ،‬وبهذا تنضم مملكة‬           ‫بحماية إلهة على هيئة ثعبان‬
 ‫من الفساد‪ ،‬وتحرر أهله من ظلم‬        ‫الدلتا إلى مملكة الصعيد في دولة‬
  ‫الحكام‪ ،‬وتوحد شطري الوادي‬              ‫واحدة‪ ،‬تمثل الدلتا لها أهمية‬     ‫(صل) تدعى (وازيت) الحمراء‪،‬‬
  ‫جنوبه وشماله في دولة عظمى‬            ‫كبرى ووضع خاص‪ ،‬يجب أن‬                 ‫كما اتخذوا من نبات البردي‬
 ‫يسودها النظام‪ ،‬ويعمها السلام‪.‬‬            ‫ترتكز عليه لتدعم مركزها‪.‬‬
                                     ‫ولكن الملك مينا تمهل قلي ًل‪ ،‬يريد‬     ‫شعا ًرا لهم‪ ،‬واتخذ الملك الداعي‬
      ‫عندما أصبح الجيش خارج‬          ‫أن يتأكد من كل خطوة يخطوها‪،‬‬         ‫في الدلتا لقب صاحب النحلة التي‬
    ‫المدينة‪ ،‬أمر الملك بتقسيمه إلى‬  ‫وأن يعمل لكل شيء حسابه‪ ،‬وأن‬
 ‫فرقتين‪ ،‬ركبت إحداهما النيل في‬        ‫يستفيد من دروس الماضي‪ ،‬فلا‬                          ‫تمثل الشمال‪.‬‬
‫مراكب خاصة كانت قد أ ُعدت لها‬         ‫يحدث له ما حدث لجده العظيم‬        ‫وكانت مملكة الدلتا في الشمال قد‬
‫من قبل‪ ،‬بينما سارت الأخرى في‬        ‫الملك العقرب‪ ،‬الذي حاول من قبله‬     ‫تعرضت للانقسام مرة أخرى إلى‬
  ‫محاذاة النيل على مرمى البصر‬        ‫توحيد البلاد‪ ،‬فأعد جي ًشا عظي ًما‬
   ‫من الأولى‪ ،‬واتجهوا شما ًل في‬      ‫ودفع به إلى الشمال‪ ،‬وانتصر في‬        ‫عدد من المقاطعات (المحافظات)‬
                                     ‫بعض المواقع‪ ،‬واستولى على كثير‬          ‫بلغ عشرين مقاطعة‪ ،‬كما كان‬
        ‫طريقهم إلى مملكة الدلتا‪.‬‬     ‫من المقاطعات‪ ،‬وأخضع جز ًءا من‬      ‫الحال في مملكة الصعيد قبل حكم‬
‫وما إن وصلت أنباء قدوم الجيش‬          ‫شرق الدلتا‪ ،‬ولقب (عنجتي) أي‬           ‫الملك مينا‪ ،‬ويحكم كل مقاطعة‬
                                        ‫المنتسب للإله (عنجتي) ولكنه‬      ‫أمير‪ ،‬والأمراء يتنازعون السلطة‬
   ‫إلى حكام الشمال‪ ،‬حتى استبد‬          ‫توفي قبل أن يسيطر على الدلتا‬        ‫فيما بينهم‪ ،‬حتى شاعت الفرقة‬
    ‫بهم الخوف‪ ،‬وتملكهم الفزع‪،‬‬        ‫بأكملها فعادت الفرقة إلى البلاد‪،‬‬        ‫وساد الظلم ودبت الفوضى‪،‬‬
   ‫واجتمعوا لدارسة الموقف رغم‬             ‫وعزم مينا أن يكون النصر‬           ‫وعم الفساد أرجاء البلاد‪ .‬ولما‬
   ‫ما بينهم من خصومة ونزاع‪،‬‬              ‫حاس ًما هذه المرة‪ ،‬وأن يكون‬    ‫استشعر الشعب ظلم حكامه‪ ،‬أخذ‬
  ‫ووضعوا جنودهم وقد تسلحوا‬                                                 ‫يتطلع إلى ملك الجنوب لإنقاذه‪،‬‬
   ‫بحرابهم المدببة الحادة القوية‬    ‫الاتحاد الشامل هو السبيل لإنشاء‬     ‫منتظ ًرا يوم الخلاص‪ ،‬خاصة وأن‬
   ‫المصنوعة من الصوان والعاج‪،‬‬           ‫دولة موحدة قوية ذات تنظيم‬          ‫شطري الوادي تترابط أرزاقهم‬
  ‫تحت إمرة (واش) أمير مقاطعة‬            ‫وحكم مركزي‪ ،‬هدفها توحيد‬              ‫وأعمالهم‪ ،‬وتتقارب عاداتهم‪،‬‬
  ‫الخطاف‪ ،‬الذي أسرع على رأس‬            ‫الأرض الطيبة والوطن العزيز‪.‬‬        ‫وعندئذ بدأ الملك مينا يفكر فيما‬
   ‫الجيش ليلتقي بالملك مينا عند‬        ‫وجاء اليوم الموعود الذي خرج‬          ‫سيتحقق بفضل اتحاد البلاد‪،‬‬
  ‫الحدود الفاصلة بين المملكتين‪.‬‬                                            ‫وتوحيد إدارتها‪ ،‬وإزالة الفرقة‬
 ‫وعندما التقى الجمعان‪ ،‬أمر الملك‬      ‫فيه جيشه من عاصمته (نخن)‪،‬‬            ‫بينها‪ ،‬خاصة أن جيشه الباسل‬
  ‫مينا جنوده بالهجوم‪ ،‬وكان في‬           ‫البصيلية الحالية بمركز ادفو‬     ‫أصبح على أ ُهبة الاستعداد‪ ،‬بعد أن‬
 ‫مقدمتهم يحمل در ًعا ثقي ًل بيده‬        ‫محافظة أسوان‪ ،‬وقد انتظمت‬        ‫اكتملت له عناصر القوة بانضمام‬
                                        ‫صفوفه‪ ،‬وشرعت أسلحته في‬            ‫زهرة شباب الجنوب إليه‪ ،‬وبعد‬
                                                                          ‫أن تم تدريبهم على أحدث فنون‬
                                      ‫أيدي جنوده البواسل‪ ،‬يتقدمهم‬       ‫القتال‪ ،‬وتزويدهم بأقوى الأسلحة‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262