Page 260 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 260
العـدد 33 258
سبتمبر ٢٠٢1
وتبلورت مبادئ الحكومة وقد كان اختيار مينا لمكان (منف) آمن ،للضرب على أيدي المتمردين
المركزية ،وكانت هذه الوحدة اختيا ًرا موف ًقا حربيًّا وسياسيًّا المفسدين خشية ثورتهم ،وهنا
عام ًل مه ًما في نهضة مصر
الفرعونية في شتى نواحي الحياة. ودينيًّا واقتصاد ًّيا ،أراد أن يحمى أدرك ضرورة بناء مدينة جديدة
واتخذ الملك مينا من (ممفيس) بها المملكة من غارات أصحاب متوسطة الموقع ،يكون موقعها
الواقعة غرب النيل عند الجيزة، في مكان وسط بين المملكتين،
كما ذكرنا ،عاصمة موحدة لمصر الشمال .فهي تقع في قلب الوطن ويستطيع أن يجعل منها معق ًل
كلها ،فغدت مرك ًزا مه ًّما ،وبذلك فيستطيع أن يدبر أمور الوطن لجنوده ،وقاعدة لجيشه ،ينزل
وضع الملك مينا الأسس الأولى منها في سهولة ويسر ،وتمكنه بها كلما أراد زيارة إقليم الوجه
للحضارة المصرية التي سارت من الإشراف الجيد على بقية
على نهجها آلا ًفا من السنين. الأقاليم في الوادي والدلتا ،ومن البحري ،فدعا لذلك كبار مهندسيه
النظر في شئونها الاقتصادية لاستشارتهم في اختيار موقع
لوحة نارمر من غير مشقة في مملكة متحدة، مناسب لها ،وبعد دراستهم
وبذلك بدأت أقدم وأعظم
وقد خلد مينا انتصاره بأن سجله للأمر ،وقع اختيارهم على مكان
على لوحة من صخور الجرانيت، حضارات التاريخ الإنساني .ومن مدينة (منف) المسماة حاليًا (ميت
عرفت باسم (لوحة نارمر) رسم هنا بدأ التاريخ المصري (عصر رهينة) بمركز البدرشين محافظة
الأسرات) بأسرة مينا.
عليها فنانها من أعلى بالحفر الجيزة.
البارز الاسم الملكي المقدس له، عودته إلى الصعيد وقد استوجب بناء هذه المدينة
وهو (نارمر) بالهيروغليفية بين تحويل مياه النيل المندفعة إلى
رأسي ثورين أقرنين .وللوحة ولما اطمأن الملك مينا على بناء الشمال عن مكانها إلى مجرى
وجهان :الوجه الأول يصور الملك قلعته الجديدة ،وروعة مبانيها، آخر ،فعمد فرعون إلى إقامة سد
مينا واق ًفا وعلى رأسه تاج الوجه ليصرف ماؤه إلى تصريف جديد
القبلي الأبيض ،وأمامه ملك الدلتا وجمال صور الحياة فيها، هو الفرع المعروف حاليًا باسم
راك ًعا ،ويقوم بضربه على رأسه واستتبب الأمن في البلاد ،عاد (بحر يوسف) المتجه إلى واحة
بدبوس قتاله ،ومثل أمامه الصقر مع زوجته إلى عاصمة حكمه الفيوم ،وذلك بإقامة سد عظيم
القديمة ،ودخل مدينة (نخن) في على مجرى النهر جنوبي مدينة
(حورس) وقد أحضر للملك موكب حافل دخول الظافرين، (الوسطى) ،وقد استتبع ذلك
أسرى من الدلتا ،أما الوجه الآخر وخرجت المدينة عن بكرة أبيها تخلف فضاء من الأرض استغل
فقد مثل فيه الملك مينا لاب ًسا تاج تستقبل ابنها البار الذي حقق لبناء مدينة (منف) وكان أول ما
الوجه البحري الأحمر ،وبهذا رمز للبلاد وحدتها ،وأعاد إلى ربوعها بنى منها قلعة حربية حصينة
إلى توحيد المملكتين ،بينما يسير الأمن والطمأنينة ،وتوجه إلى أحاطها بسور أبيض وضرب من
قصره ،وجلس في قاعة العرش حولها بخنادق الماء من كل جانب
أمامه أربعة من حملة الأعلام ماعدا ناحية الجنوب ،وسماها
يتبعهم أحد الوزراء ،احتفا ًل يستقبل وفود المهنئين ،وقد الملك مينا بالقلعة البيضاء ،ثم
بانتصاره على مملكة الشمال، حملوا إليه الهدايا ليعبروا بها عن عاد فسماها (من نفر) أي الميناء
وأمام هؤلاء عشرة أسرى قطعت صادق ولائهم ووفائهم وحبهم، الجميل ،وفيما بعد سميت باسم
رؤوسهم ووضعت بين أقدامهم، (ممفيس) زمن اليونان ،ثم سماها
أما في أسفل هذا الوجه فقد رسم ثم راح يعمل على إنهاء جميع العرب (منف) ،وأصبحت هذه
كاتبها ثو ًرا كرمز للقوة الكامنة مظاهر الانقسام في طول البلاد المدينة أول عاصمة لمصر الموحدة
في مينا ،يطأ بأقدامه عد ًوا راق ًدا، في عهد الدولة القديمة حتى نهاية
وعرضها.
وكان هذا الانتصار الذي قام الأسرة السادسة.
به مينا ،سببًا في التطور الهائل
الذي لحق بالحضارة المصرية،