Page 259 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 259

‫قامت أول حضارة مصرية في منطقة‬                                           ‫ويتضح ذلك من خلال سجلاتها‬
 ‫(البداري) بمحافظة أسيوط بالصعيد‬                                             ‫الكثيرة‪ ،‬التي تركها المصري‬
 ‫على الفلاحة والصيد‪ ،‬وتربية الطيور‬
‫والمواشي‪ ،‬وصناعة الفخار والتعدين‪،‬‬                                       ‫القديم على ورق البردي‪ ،‬وانعكس‬
 ‫فقد بدأت الزراعة في بلدة (البداري)‬                                         ‫ذلك الأمن والسلام على مدنها‬
‫منذ سنة ‪ 5000‬قبل الميلاد‪ ،‬كما وجد‬                                            ‫فأصبحت أكثر اتسا ًعا‪ ،‬وعلى‬
‫بالفيوم مستوطنون عرفوا الزراعة في‬
‫نفس التوقيت الذي بدأت فيه الزراعة‬                                       ‫أرضها فأصبحت أكثر اخضرا ًرا‪،‬‬
                                                                           ‫ومنازلها التي انتظمت وشيدت‬
               ‫في البداري‬                                                 ‫من اللبن‪ ،‬وانتشرت في أرجائها‬
                                                                         ‫مخازن الغلال‪ ،‬وحظائر الماشية‪.‬‬
‫جعل الملك مينا ُيعجب بها من أول‬                    ‫الموسيقى والغناء‪.‬‬
 ‫نظرة‪ ،‬وتمنى أن تكون زوجة له‬             ‫وتقدم أمير (سايس) إلى الملك‬           ‫زواج مينا‬
 ‫حتى ُيرضي كبرياء أهل الشمال‬
  ‫ويهدئ نفوسهم‪ ،‬بعد هزيمتهم‬                ‫مرحبًا‪ ،‬داعيًا إياه إلى قصر‬      ‫قام الملك مينا بعد ذلك بزيارة‬
                                           ‫الضيافة‪ ،‬فقبل الملك شاك ًرا‬   ‫الأقاليم إقلي ًما إقلي ًما‪ ،‬فكان يعزل‬
     ‫بزواجه من إحدى أميراتهم‪.‬‬              ‫دعوته‪ ،‬ثم اتجه الموكب إلى‬    ‫الحكام الظالمين ويعين غيرهم من‬
   ‫وفي اليوم التالي أعلم الملك مينا‬     ‫القصر‪ ،‬وهو يشق طريقه بين‬        ‫أهل الأقاليم‪ ،‬وكان يستمع بنفسه‬
 ‫حاكم (سايس) رغبته في الزواج‬         ‫جموع الشعب المتشوق إلى رؤيته‪.‬‬
  ‫من ابنته هذه‪ ،‬فوافق الحاكم في‬       ‫وبعد أن استراح الملك مينا قلي ًل‬      ‫إلى مطالب الشعب ويعمل على‬
 ‫سرور وامتنان على هذا الشرف‬              ‫في قصر الضيافة‪ ،‬دعاه أمير‬         ‫تحقيقها‪ ،‬فكان يقابل بالترحاب‬
   ‫العظيم‪ ،‬الذي أسبغه عليه الملك‬           ‫(سايس) لتناول الغداء على‬
   ‫المظفر‪ ،‬ثم أمر الملك بإعلان نبأ‬       ‫مائدة حوت ألذ أنواع الطعام‬                           ‫أينما حل‪.‬‬
‫زواجه من أميرة (سايس)‪ ،‬فعمت‬           ‫والشراب‪ ،‬وجلس الملك مسرو ًرا‬         ‫وفي زياراته وطوافه وصل إلى‬
    ‫الفرحة أرجاء البلاد‪ ،‬وأقيمت‬      ‫يتناول غداءه الشهي‪ ،‬بينما أخذت‬         ‫مقاطعة (سايس)‪ ،‬صا الحجر‬
‫فيها معالم الزينة‪ ،‬وبعد عدة أيام‬       ‫الموسيقى تعزف أعذب الألحان‪،‬‬
 ‫تم زواج الملك في قصر الضيافة‪،‬‬           ‫وقد تفانى حاكم (سايس) في‬              ‫حاليًا على مقربة من مدينة‬
 ‫حيث قضى به شه ًرا كام ًل‪ ،‬وقد‬           ‫إكرام الملك‪ ،‬حتى جعل أولاده‬       ‫بسيون محافظة الغربية‪ ،‬وهي‬
‫مضت أيامه بالبهجة والمسرة‪ ،‬ثم‬           ‫بنين وبنات يقومون بأنفسهم‬       ‫المقاطعة الخامسة من أقاليم الدلتا‪،‬‬
  ‫أخذ يفكر في العودة إلى عاصمة‬         ‫على خدمته أثناء تناوله الطعام‪،‬‬       ‫ومعبودتها (نيت)‪ ،‬أميرها من‬
                                         ‫مما أثلج قلبه وشرح صدره‪،‬‬          ‫سلالة فراعنة مصر الأقدمين‪،‬‬
                  ‫ملكه القديمة‪.‬‬          ‫وكان من بين بنات (سايس)‬
                                        ‫أميرة تدعى (نيت حتب) كانت‬              ‫رج ًل صال ًحا عاد ًل حكي ًما‬
  ‫بناء عاصمة جديدة‬                     ‫على قدر عظيم من الجمال‪ ،‬كما‬        ‫محبو ًبا‪ .‬وكان وصول الملك مينا‬
                                     ‫كانت تمتاز برشاقة القد‪ ،‬وعذوبة‬        ‫لهذه المقاطعة من أسعد أيامها‪،‬‬
‫رأى الملك مينا أن من الحيطة قبل‬          ‫الحديث‪ ،‬وسرعة البديهة‪ ،‬مما‬
‫أن يغادر أرض الشمال‪ ،‬أن يترك‬                                                ‫إذ خرج الشعب عن بكرة أبيه‬
                                                                             ‫لاستقبال البطل الفاتح منقذ‬
  ‫من ورائه حامية قوية في مكان‬
                                                                          ‫البلاد وموحد أراضيها‪ ،‬وقضى‬
                                                                          ‫أفراد الشعب ليلتهم في الطرقات‬

                                                                             ‫يرقصون ويغنون في انتظار‬
                                                                           ‫تشريف الملك الزائر‪ ،‬وكان على‬
                                                                        ‫رأسهم حاكم المقاطعة وعظماؤها‪.‬‬
                                                                           ‫وما كاد موكب الملك يقترب من‬
                                                                         ‫المدينة حتى ارتفعت الهتافات إلى‬
                                                                          ‫عنان السماء‪ ،‬ممتزجة بأصوات‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264