Page 261 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 261

‫‪259‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تاريخ‬

‫مصرع مينا‬                              ‫وحيويته في عيد اليوبيل الملكي‪،‬‬      ‫ويحطم بقرنيه سور مدينة‪ ،‬وهذا‬
                                      ‫فتسابق الشعب في الاحتفال بهذا‬          ‫يعني النصر الكامل لجلالة الملك‬
    ‫بينما كان الملك مينا في إحدى‬     ‫العيد الذي أطلقوا عليه عيد الحب‪،‬‬
       ‫زياراته لمدينة (منف) عزم‬       ‫أو سموه العيد الثلاثيني لحكمه‪.‬‬                                 ‫مينا‪.‬‬
       ‫على قضاء بعض الوقت في‬          ‫وقد بلغ من محبة الشعب لملكهم‬          ‫وقد أمر بأن تحفظ بقاعة عرشه‬
                                      ‫أن قبلوا مختارين تغيير تقليدهم‬
   ‫ممارسة هوايته المفضلة لصيد‬                                                    ‫إحياء للفن‪ ،‬وذكرى لتوحيد‬
     ‫الطيور والوحوش والأسماك‬            ‫بقتل الملك عندما يبلغ في حكمه‬        ‫القطرين‪ ،‬ومن حسن الطالع أن‬
     ‫في أحراش الدلتا القريبة من‬       ‫ثلاثين عا ًما‪ ،‬حتى لا يحكم البلاد‬
    ‫منف‪ ،‬وفي أحد الأيام الجميلة‪،‬‬                                                ‫تظل محفوظة حتى اكتشفها‬
                                          ‫إلا الشباب‪ ،‬ولكن وفاء منهم‬           ‫(جيمس كوييل) سليمة كاملة‬
   ‫ذات الشمس المشرقة‪ ،‬والنسيم‬          ‫لمليكهم المحبوب مينا أجمع رأى‬         ‫عام ‪ 1897‬في معبد الإله (حور)‬
   ‫الربيعي المعتدل‪ ،‬اصطحب معه‬           ‫الشعب على تجديد مدة حكمه‪،‬‬           ‫في مدينة (الكاب)‪ ،‬وهي موجودة‬
 ‫بعض حرسه الخاص ونخبة من‬              ‫بأن تحايلوا على التقاليد القديمة‪،‬‬     ‫حاليًا بالمتحف المصري بالقاهرة‪،‬‬
 ‫أصدقائه المقربين‪ ،‬وخرج للصيد‬        ‫وقالوا إنه يمكن بالاحتفال بتجديد‬      ‫بالدور العلوي بالحجرة رقم ‪،42‬‬
  ‫والقنص كعادته‪ ،‬وأغراهم كثرة‬          ‫شباب الملك في عيد يوبيل ملكي‬
                                      ‫يحتفل به بعد مرور ثلاثين سنة‬                            ‫برقم ‪.3055‬‬
     ‫الصيد فتوغلوا في الأحراش‪،‬‬
‫وابتعد الملك مينا عن رفاقه وحي ًدا‪،‬‬      ‫على اعتلائه العرش‪ ،‬بإحيائهم‬        ‫العيد الثلاثيني لحكمه‬
                                         ‫لهذا العيد لكي يجددوا شباب‬
      ‫وهو يتبع أحد أفراس النهر‬       ‫الملك‪ ،‬ليعيد من أجلهم عه ًدا جدي ًدا‬    ‫حكم الملك مينا مصر مدة اثنين‬
                      ‫المفترسة‪.‬‬                                                  ‫وستين عا ًما‪ ،‬عمل فيها على‬
                                                ‫وحك ًما موف ًقا سعي ًدا‪.‬‬
  ‫وكان الملك جسو ًرا شجا ًعا رغم‬        ‫وهكذا أقيمت معالم الأفراح في‬        ‫تحقيق رخاء شعبه بتنظيم الري‬
      ‫كبر سنه‪ ،‬فأخذ يقترب من‬            ‫أرجاء البلاد‪ ،‬وانتقل الملك مينا‬      ‫وزراعة الأرض زراعة منتظمة‪،‬‬
                                       ‫من عاصمته القديمة (نخن) إلى‬
   ‫الفريسة شاه ًرا رمحه‪ ،‬محاو ًل‬         ‫عاصمة مصر الموحدة (منف)‬                  ‫واهتم بالمحاصيل والثروة‬
      ‫قتلها بضربة واحدة‪ ،‬ولكنه‬           ‫حيث تمت مراسيم العيد‪ ،‬بأن‬         ‫الحيوانية‪ ،‬فأصبحت الأرض أكثر‬

 ‫أخطأ الهدف‪ ،‬فهجم عليه الفرس‬               ‫خرج في الصباح من قصره‬             ‫اخضرا ًرا بما حوت من صنوف‬
 ‫بوحشية وضراوة فقتله للحظته‪،‬‬            ‫وهو يلبس لبا ًسا خا ًصا عبارة‬       ‫المزروعات‪ ،‬فغيرت يد التطور كل‬
‫بعد أن صرخ الملك صرخة مروعة‬
                                           ‫عن إزار من الكتان الأبيض‬           ‫شيء على وجه مصر‪ ،‬فظهرت‬
   ‫تجاوبت أصداؤها بين جوانب‬             ‫يغطي جميع جسمه من الرقبة‬           ‫أكثر تطو ًرا وأعظم تحض ًرا وأكثر‬
 ‫الحرس والأصدقاء فأسرعوا إلى‬           ‫إلى القدمين‪ ،‬بحيث لا يظهر منه‬         ‫عد ًل وأمنًا وسلا ًما بعدما ضمن‬
                                        ‫إلا يديه‪ ،‬واتخذ مكانه في محفة‬      ‫حراسة حدودها بأن حارب أعداء‬
   ‫مكان الحادث‪ ،‬ولكن بعد فوات‬           ‫خشبية تحت مظلة تحجب عنه‬            ‫البلاد من الليبيين والنوبيين‪ ،‬مما‬
 ‫الأوان‪ ،‬ولكنهم قاموا بقتل فرس‬           ‫حرارة الشمس‪ ،‬واعتلى مقع ًدا‬        ‫جعل المصريين يتفانون في حبهم‬
                                         ‫رائع الزخرف‪ ،‬وما إن استقر‬
   ‫النهر‪ ،‬ثم نقلوا جثمان الملك إلى‬    ‫الملك في جلسته حتى أشار بيده‪،‬‬                                    ‫له‪.‬‬
‫قصره في مدينة (منف)‪ ،‬حيث قام‬            ‫فتقدم إليه بعض أبنائه الشبان‬          ‫وبعد أن مكث في الحكم ثلاثين‬
                                     ‫وحملوا المحفة على أكتافهم‪ ،‬وكان‬          ‫عا ًما‪ ،‬كانت لدى المصرين عادة‬
   ‫الكهنة بتحنيط الجثة وتكفينها‪.‬‬         ‫هذا إيذا ًنا بسير الموكب الملكي‬   ‫وحشية تقضي بقتل الزعيم عندما‬
  ‫وقد استغرقت هذه العملية أكثر‬           ‫في طريقه إلى المعبد حيث يقام‬        ‫يتقدم به العمر‪ ،‬ولكن المصريين‬

     ‫من سبعين يو ًما‪ ،‬ثم وضعوا‬                     ‫الاحتفال الرسمي‪.‬‬                ‫بعدما تقدموا في مضمار‬
   ‫الجثة في تابوت حجري نقل في‬                                               ‫الحضارة‪ ،‬قد استعاضوا عن تلك‬
   ‫احتفال مهيب إلى إحدى السفن‬
   ‫الراسية في الميناء‪ ،‬التي أبحرت‬                                             ‫العادة الوحشية بذلك الاحتفال‬
‫به إلى عاصمته القديمة (نخن) في‬                                                   ‫الرمزي لتجديد شباب الملك‬
   ‫الجنوب‪ ،‬وعندما وصلت الجثة‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266